أدى العرض الأميركي لإيران حول "المفاوضات دون شروط مسبقة" إلى تعميق الانقسام داخل أجنحة النظام الإيراني حول كيفية الدخول في المفاوضات، التي يعتبرها الحرس الثوري والمتشددون تنازلاً يُضعف النظام ويسلب مكاسبه الإقليمية، بينما تراها حكومة روحاني وحلفاؤها من الإصلاحيين فرصة لإنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي والحيلولة دون تآكل النظام من الداخل.
وبينما أعلن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أن واشنطن مستعدة للحديث مع إيران "دون أية شروط مسبقة عندما تتصرف كدولة عادية"، صعد اللواء يحيى رحيم صفوي مستشار المرشد الإيراني للشؤون العسكرية، من لهجة التهديدات، قائلا إن السفن العسكرية الأميركية في الخليج تقع في مرمى صواريخ طهران".
وقال صفوي في تصريحاته إن "أول رصاصة تطلق في الخليج سترفع سعر برميل النفط الى 100 دولار"، ما يعني أن الحرس الثوري يهدف إلى إيجاد توتر بهدف إعادة الوضع إلى ما قبل مرحلة الاتفاق النووي عام 2015 ويجد طرقاً لبيع النفط في السوق السوداء والالتفاف على العقوبات والسيطرة على البلاد من خلال عسكرة الأوضاع داخلياً وإقليمياً.
هذا بينما لم يرفض الرئيس الإيراني، حسن روحاني، السبت، مبدأ الحوار قائلا إن "طهران قد تجري محادثات إذا أظهرت الولايات المتحدة الاحترام واتبعت المعايير الدولية"، حسب تعبيره.
لكن وزير الخارجية الأميركي في نفس الوقت أكد على أن مشاكل إيران بسبب 40 عاماً من نظام الحكم لا العقوبات مشدداً على أن الجهود الأميركية لإنهاء الأنشطة الخبيثة للنظام ستتواصل، ما يعني أن استراتيجية "الضغوط القصوى" ستستمر على المدى المنظور حتى لو بدأت المحادثات.
ولا تزال التهديدات الإيرانية المستمرة تجعل خطر المواجهة العسكرية بين إيران والولايات المتحدة مرتفعا، مع تأكيدات واشنطن حول إبقاء حاملة الطائرات والتعزيزات العسكرية الأخرى في حالة تأهب في الخلية العربي للرد على تحرك عدواني إيراني محتمل.
محادثات بومبيو في أوروبا
وفي السياق، ركز اجتماع وزيري خارجية الولايات المتحدة وسويسرا يوم الأحد، على مخاوف أوروبا بشأن عواقب التوتر الحالي بين إيران والولايات المتحدة، إذا حصلت مواجهة ما.
ويزور بومبيو سويسرا في المحطة الثانية من جولة أوروبية تشمل أربع دول يسعى خلالها إلى طمأنة الزعماء بأن إدارة ترمب لا تريد الحرب مع إيران، لكنه سيطلب منهم الضغط على طهران لوقف سلوكها العدواني، بحسب وسائل إعلام أميركية.
وكان بومبيو قد بحث في برلين، يومي الجمعة والسبت، مع نظيره الألماني هايكو ماس، ومن ثم مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الشأن الإيراني.
وكتبت وزارة الخارجية الأميركية في بيان أن محادثات بومبيو مع ميركل يوم السبت ركزت على تهديدات إيران المتزايدة ضد المصالح الأميركية والحاجة إلى مواجهة أنشطة الصواريخ الإيرانية والسلوك العدائي لإيران في منطقة غرب آسيا.
دور سويسرا
وفي ظل غياب العلاقات الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة منذ الثورة الايرانية واقتحام السفارة الأميركية عام 1979، ظلت سويسرا تحمي مصالح أميركا في إيران لأربعة عقود.
وكان الرئيس السويسري قد زار الولايات المتحدة قبل أسبوعين في رحلة غير متوقعة واجتمع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض، وذكرت وسائل الإعلام أن الزيارة مرتبطة بالتوترات بين الولايات المتحدة وإيران، واحتمال قيام سويسرا بدور الوسيط بين الطرفين.
وكانت وكالة "أسوشييتد برس" ذكرت في وقت سابق أن زيارة بومبيو الحالية إلى أوروبا من المرجح أن تهدف إلى إيجاد قناة أخرى لتخفيف التوترات بين واشنطن وطهران.
ووفقاً للوكالة، يبدو أن سويسرا تشارك حاليًا في جهود لإطلاق سراح خمسة من السجناء الأميركيين-الإيرانيين مزدوجي الجنسية في إيران، كمقدمة لبدء المفاوضات.
اجتماعات "بيلدبرغ" في بيرن
وسيحضر وزير الخارجية الأميركي الاجتماع السنوي لمجموعة "بيلدبرغ"، والتي تعقد خلف أبواب مغلقة، في حين لم تنشر أي دعوة رسمية إليه من قبل.
ويقول مراقبون إن مكوث بومبيو لمدة ثلاثة أيام في مدينة بيرن، عاصمة سويسرا، أمر غير معتاد نسبياً، حيث عندما طلب منه الصحافيون سبب هذه الزيارة المطولة، قال وزير الخارجية الأميركي ممازحاً إنه سيبقى في البلاد "من أجل الجبن الجيد وحبه للشوكولاتة السويسرية".
وكان الرئيس دونالد ترمب، صرح للصحافيين في البيت الأبيض يوم الخميس الماضي، قبل ساعات قليلة من وصول وزير خارجيته إلى أوروبا، إن "إيران ضعيفة جداً وتريد الاتفاق"، مضيفاً أنه "إذا رغبت إيران في التفاوض، فسأكون مستعداً لذلك".
ومع ذلك، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستزيد عدد قواتها في المنطقة بـ 1500 جندي، بعد إرسالها حاملة طائرات "إبراهام لينكولن" وقاذفات "بي 52" ومعدات وتجهيزات أخرى في الخليج العربي، لردع إيران.
وسيتوجه مايك بومبيو إلى لاهاي يوم الاثنين، ثم سينضم إلى دونالد ترمب في رحلته إلى لندن.