نبض لبنان

صاحب الصورة المؤثرة بمتحف بغداد: انهرت باكيا لهذا السبب

خطفت صورة مؤثرة لشاعرة ومواطن عراقييْن قلوب العراقيين بعد أن انتشرت خلال الأيام الماضية على مواقع التواصل.

فقد تداول مغردون عراقيون صورة مؤثرة لمواطن عراقي مهتم بالآثار يدعى موفق التكريتي برفقة الشاعرة أمل الجبوري، وهما يجهشان بالبكاء داخل المتحف الوطني في بغداد عندما شاهدا ما حصل لآثار بلدهما.

وفي حين ظن العديد من المغردين أن الصورة التقطت بعد تحرير البلاد من قبضة داعش، وأوضح بطلا الصورة أنها التقطت في ذكرى الاحتلال الأميركي للعراق.


تاريخ الصورة ومكان التقاطها

وأوضح التكريتي في حديث لـ"العربية.نت" أن الصورة التقطت في يوم الثالث من يوليو عام 2003 حيث عين حينها بول بريمير رئيسا للإدارة المدنية للإشراف على إعادة إعمار العراق.

وأضاف التكريتي أنه خرج من بغداد في نهاية عام 1976 وكان يملك آنذاك صيدلية تدعى صيدلية الرواد.

وتابع قائلا: عندما عدت إلى العراق عام 2003، أنا العاشق لشوارع العاصمة وتراث البلاد، لا سيما أنني ولدت في بيت خرجت منه موسوعات عن الفلكلور البغدادي، ذهبت لكي أرى قهوة الميناء وسينما غرناطة وسينما الخيام ويوسف عمر وحجي رزوقي، فقد كانت هذه بغداد بالنسبة لي، كنت أريد العيش واسترجاع تلك اللحظات الماضية ولكني لم أجدها.

وأضاف أنه شعر بكم من المرارة والألم حتى قبل زيارته المتحف حيث التقطت الصورة الشهيرة التي ظهر فيها باكيا.

وقال: "أكن عاطفة كبيرة لبغداد، من سوق السراي والكاظمية فقد كانت تلك السوق مكانا لي".

وعن الصورة أشار إلى أنه دعي لافتتاح المتحف في بغداد عام ٢٠٠٣ مع عدد لا يتجاوز الخمسين شخصاً، وذلك لاهتمامه "بتاريخ الرافدين".

عالم آثار

وحول إشاعة كلام عن أنه عالم آثار نفى التكريتي ذلك، وقال: "أنا فقط مهتم بالتاريخ والآثار على الرغم من أن اختصاصي هو الصيدلة".

وتابع: "بسبب العلاقة الخاصة التي تربطني مع مسؤولة المتحف آنذاك لمياء الكيلاني دخلت إلى المكان الخاص بمجوهرات النمرود وهو شيء لا يصدق من حيث الإتقان وكأنك تدخل بيوت المجوهرات العالمية وعمرها 2700 سنة، ما يضعك أمام مشهد يجعلك ترتجف".

وأكد أنه شعر بأنه داخل قصر امبراطوري تحول فجأة إلى ملجأ للشحاذين والقمامة، فالفرق بين المتحف والمدينة التي تضمه شاسع.

وأضاف: "لا أعلم كيف وصلت إلى القاعة التي تضم أشور بانيبال وفكرت إذا نهض هذا الملك العظيم وشاهد ما حدث بالبلاد كيف ستكون ردة فعله، وفي تلك اللحظة انهرت باكيا، وكانت لحظة تراكمت خلالها دموع 27 عاما من الغربة والقهر، ولم أدرك حينها أنني قد صورت، إلا بعد أن أتاني مصور رويترز يريد أن يعرف اسمي، فكنت منهارا لحظتها وقلت له أرجوك اتركني بسلام، وانكفأت بعيدا عن الناس، ولم أعرف لحظتها أن أمل الجبوري بجانبي، إذ لم أكن أشعر بأحد، كنت في لحظة انهيار وأسف على مجد غابر، لم أكن أتأسف على سقوط صدام حسين أو غيره بل على وجوه شاحبة وبلاد شاهدتها بعد سنوات من الجوع والإنهاك والعذاب النفسي والصحي والحجر لملايين الناس".

إلى ذلك أردف: "كنت أحلم بأن أرى بلدي أفضل وأجمل لكن أحلامي ذهبت أدراج الريح بعد ٢٧ عاما في المهجر".

صورة أضحت أيقونة

من جهتها، أوضحت الشاعرة العراقية أمل الجبوري أن تلك الصورة التقطت في 3 يوليو 2003 في بغداد وأضحت تشبه أيقونة.

وقالت: "عندما دخلت بغداد بعد يومين من الاحتلال شعرت بأنها تغتصب من أهلها ويعود الفضل لدخولي المتحف للصحفية البطلة التي كانت تعمل في قناة العربية آنذاك الراحلة أطوار بهجت والتي ساعدتني للدخول".

وأكدت الجبوري في حديث خاص لـ"العربية.نت"، "أن كنوز النمرود خزنت بعد اكتشافها في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي في خزائن البنك المركزي العراقي وكانت محفوظة في خزائن سرية، تم تسليمها لاحقا إلى الأميركيين، فأقاموا حفلا كبيرا من أجل إعادة افتتاح المتحف العراقي وعرض الكنوز، ودعوا إليه شخصيات كبيرة في ذلك العام، ووقتها لم يكن يسمح بالدخول للعراقيين لكنني دخلت بمساعدة بعض المعارف.

وقالت: "دخلت وشاهدت رأس نبوخذ نصر مقسوما إلى نصفين كان أشبه لما فعله داعش بالآثار العراقية في 2014 وكان بقربي الدكتور موفق التكريتي وهو صيدلاني وباحث، فأجهش بالبكاء وأنا لم أتماسك نفسي وقتها وبكيت بحرقة معه، ولم نبك على رأس مهشم بل بكينا على بلدنا العراق".

مهربو آثار

وأوضحت أنها تصورت أن الرأس تهشم خلال الحرب، إلى أن أتى عالم الآثار دوني جورج واقترب منها قائلا "إن التمثال لم يتهشم الآن بل في عام 1991 حين أصدر صدام حسين قرارات صارمة بالإعدام لكل من يهرب الآثار، ووقتها تم الإمساك بعصابة تهرب الآثار عند الحدود العراقية الأردنية، وحتى تسرق الرأس قسمته إلى قسمين، على أن تأخذ كل مجموعة قسما وتهربه، على أن يباع كاملا لاحقا" .

وعندما ألقي القبض عليهم أعدموا، ولكن صدام قرر إبقاء التمثال على حاله دون ترميمه، لكي يصبح سارقوه وقصة إعدامهم عبرة لكل من يريد تهريب الآثار العراقية.

سرقوك يا عراق

كما أوضحت الشاعرة العراقية لـ"العربية.نت" أن الصورة أصبحت أيقونة، لكل ناقم على الوضع العراقي، وبعد العام 2007، نشرت بعناوين عديدة منها لكن أبرزها أتى تحت عنوان "سرقوك يا عراق"

إلى ذلك اعتبرت "أن الخراب الكبير الذي حدث في العراق خلال السنوات الماضية، وأسلمة الدولة وسيطرة المافيات على مقدرات البلاد، حول تلك الصورة إلى متنفس لكل "مخنوق" من الوضع.

وتابعت: "نحن نعرف أنه لم يبق شيء في العراق لم يسرق وأولها كرامة الإنسان وأصبحت الناس تعيد نشر تلك الصورة بكلماتها المختلفة".


تزييف التاريخ

وختمت الجبوري حديثها مؤكدة أن اللغط الذي دار حول الصورة وتضارب المعلومات بشأنها جعلها تتساءل "كيف سيكتب تاريخ البلاد، إذا كانت مجرد صورة وهي شاهدة عليها زيفت وحرفت بمئات القصص".

وقالت: "منذ 1400عام ونحن نقتل بعضنا البعض من أجل روايات لم نعرف دقتها!".