ما بين عامي 1789 و1799، عاشت فرنسا على وقع أحداث الثورة التي أطاحت بحكم الملك لويس السادس عشر (Louis XVI) وأسفرت عن إعلان قيام الجمهورية الأولى يوم 21 من شهر أيلول/سبتمبر 1792.
خلال فترة الثورة، التي استمرت لأكثر من 10 سنوات، شهدت فرنسا أحداثا درامية عديدة كسقوط الباستيل (Bastille) ومأساة شان دي مارس (Champ-de-Mars) ومذابح أيلول/سبتمبر 1792 وإعدام الملك لويس السادس عشر وزوجته ماري أنطوانيت (Marie Antoinette) واغتيال جان بول مارا (Jean-Paul Marat) وإعدام النواب الجيرونديين وقطع رأس ماكسيمليان روبسبيار (Maximilien Robespierre) وصولا لانقلاب نابليون بونابرت خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1799 الذي أنهى بشكل رسمي سنوات الثورة.
ولعبت بعض الشخصيات الجوهرية دورا هاماً خلال تلك الأحداث التاريخية في البلاد، ولعل أهمها الكاتب الصحافي ميرابو والمحامي والكاتب كامي ديمولان وزميله ماكسيمليان روبسبيار والطبيب جان بول مارا وعالم الرياضيات والفلك جان سيلفان بايي(Jean Sylvain Bailly)
منقذ الثورة
ومن بين كل تلك الأسماء الهامة أثناء فترة الثورة، برز اسم رجل من مواليد تشرين الأول/أكتوبر 1759 يدعى جورج دانتون (Georges Danton) إذ لعب الدور الأهم خلال فترة الثورة، حتى لقّب من قبل الفرنسيين بمنقذ وبطل الثورة.
أصبح جورج دانتون محاميا خلال العام 1787 والتحق خلال فترة وجيزة بالتيار الثوري بفرنسا وساهم خلال العام 1790 في تأسيس جمعية أصدقاء حقوق الإنسان والمواطن والمعروفة بجمعية الكوردوليي (Club des Cordeliers) ، وطالب خلال العام التالي بإسقاط الملك لويس السادس عشر عقب محاولة الأخير الفرار من فرنسا.
عام 1792، لعب دانتون الدور الأبرز في نشأة "الكومونة الثورية" بباريس واجتياح قصر التويليري وعزل الملك يوم 10 آب/أغسطس 1792.
كما أصدر خلال نفس العام مرسوم "الوطن في خطر" لزيادة عدد الجنود وملاحقة أتباع الملك بهدف مجابهة تقدم القوات النمساوية والبروسية الساعية لإعادة تنصيب لويس السادس عشر وإنهاء الثورة بفرنسا.
خطابات حماسية ألهمت الجنود
لاحقا حصل جورج دانتون على منصب وزير العدل وقد ألهمت خطاباته الحماسية الجنود على الجبهة، وبفضلها حققت القوات الفرنسية، بعد سلسلة من الهزائم، نصرا هاما بمعركة فالمي (Valmy) سرعان ما أنقذ الثورة من الحملة العسكرية النمساوية البروسية.
المحكمة الثورية
إلى ذلك، يعود الفضل لهذا المحامي المخضرم في نشأة المحكمة الثورية، التي مثل أمامها خلال الأشهر التالية آلاف المتهمين بالتعاطف مع الملك وخيانة البلد، وقد لعبت هذه المحكمة دورا هاما في إرسال العديد من الفرنسيين نحو المقصلة خلال عهد الإرهاب.
كما أمر المجلس الوطني خلال شهر نيسان/أبريل 1793 بإنشاء لجنة السلامة العامة بناء على طلب من دانتون بهدف حماية الثورة الفرنسية من التهديدات الداخلية والخارجية وقد تزعّم الأخير هذه اللجنة لفترة وجيزة قبل أن يجبر على الانسحاب بسبب تهم بالفساد والرشوة لتسقط على إثر ذلك لجنة السلامة العامة في قبضة ماكسيمليان روبسبيار والذي استغلها لإراقة دماء عدد كبير من الفرنسيين وتصفية حساباته مع معارضيه.
سنة 1794، انقلبت لجنة السلامة العامة على دانتون. فعقب تفرّغه من متشددي عهد الإرهاب، وجّه ماكسيمليان روبسبيار أنظاره لدانتون وأتباعه حيث تزايدت حدّة الخلافات بين الرجلين بسبب رفض دانتون لسياسة روبسبيار ومطالبته بإنهاء ما سمّاها عمليات الإعدام التعسفية للفرنسيين.
وأواخر شهر آذار/مارس 1794، اعتقل دانتون وأتباعه ليمثلوا أمام المحكمة، وقد وجهت للأخير حينها تهم بالخيانة ومساندة الملكية وإبرام صفقات مع أعداء الوطن. أثناء فترة المحاكمة، رفض دانتون كل هذه التهم الموجهة إليه، مؤكدا أنها ملفقة من روبسبيار بهدف التخلص منه وأعلن للحاضرين أن الثورة تحققت بفضله وطلب من الشعب الصفح لدوره في إنشاء المحكمة الثورية التي أرسلت الآلاف نحو الموت.
في الأثناء، مارست المحكمة ضغطا لإسكات دانتون ومنعه من الدفاع عن نفسه قبل أن تصدر في حقه حكما بالإعدام عن طريق المقصلة.
ارفع رأسي المقطوعة
يوم 5 نيسان/أبريل 1794، اصطحب الجلادون دانتون وأتباعه نحو المقصلة. وأثناء مرور عربته أمام منزل روبسبيار صرخ دانتون قائلا "روبسبيار ستلحق بي قريبا، منزلك سيهدم وسينثر فوقه الملح".
وعند صعوده لمنصة الإعدام خاطب دانتون الجلّاد قائلا "بعد أن أموت ارفع رأسي المقطوعة ليراها الشعب فهي تستحق ذلك".
وعلى إثر ذلك، هوت شفرة المقصلة لتقطع رأس الرجل الذي لقّبه الفرنسيون بمنقذ وبطل الثورة، وعقب تنفيذ الحكم خيّم الصمت والحزن على الحاضرين.
ولعبت حادثة إعدام دانتون دورا هاما في تزايد كراهية الشعب ونواب المجلس الوطني لروبسبيار وأتباعه وأينما حلّ الأخير ردد الناس عبارات "الموت للطاغية". وكما تنبّأ دانتون، انقلب الجميع على روبسبيار بعد نحو 5 أشهر ليعدم بذلك الأخير يوم 28 تموز/يوليو 1794 بالمقصلة.