مركبات “بندق بو فتيل” ستصبح “الحيلة والفتيلة”!

مركبات “بندق بو فتيل” ستصبح “الحيلة والفتيلة”!
مركبات “بندق بو فتيل” ستصبح “الحيلة والفتيلة”!

كتبت نوال نصر في صحيفة “نداء الوطن”:

كلما اجتمع إثنان كان “الأسود الحالك” ثالثهما! فهل طغى هذا اللون على قطاع معارض السيارات المستعملة في لبنان وعلى من يحاولون تهريب “دولاراتهم” بشراءِ سيارة ثمينة، بشيك مصرفيّ؟ إمتلاك سيارة جديدة- مستعملة خيار في هذا الوقت السيئ لكن ماذا عن معارض السيارات المستعملة؟ هل لديها رؤية لحلٍّ أم أن الرؤى باتت حالكة قاتمة مظلمة سوداء سوداء؟ ماذا عن الغدّ؟ وماذا عن نبوءة أحدهم بأننا سنترحم غدا على اليوم كما نترحم اليوم على الأمس؟ وأن من يملك سيارة من أيام “بندق بو فتيل” سيجري لها “حفلة” حدادة وبويا لأنها ستُصبح قريبا جداً الحيلة والفتيلة؟

3000 معرض للسيارات المستعملة في لبنان، تُشكّل 50 في المئة من حجم سوق شراء السيارات في لبنان، و99,999 في المئة منها تعيش الركود بنسبة تزيد عن 99,999 في المئة. يحيا القطاع من قلة الموت. فهل السقوط في الموت الرحيم قريب؟ وهل من يجرؤ على إعلان الوفاة أم أن من يتخبطون في براثن هذا القطاع الذي يُباد ما زالوا يصرّون على الصمود؟
وليد فرنسيس هو نقيب أصحاب معارض السيارات المستعملة في لبنان. والنقيب، ذو الوجه المبتسم، مليء بالغضب على ما آلت إليه حال القطاع “المتهالك”. وقبل أن نسأله عن الحال يُعلن بلغةٍ فيها كثير من الحسم واليقين: “الوضع مزرٍ وصعب، صعب جداً”.
لا يختلف اثنان على أن الوضع مزرٍ لكن ماذا بعد؟ يجيب النقيب: لدينا سيارات عالقة في الولايات المتحدة الأميركية. دفعنا “عربونها” ولم نُسدد ثمنها. هناك بعض السيارات فُكّت تأميناتها واسترجعها التجار الأجانب لكن هناك سيارات “لا معلقة ولا مطلقة”. وفي الحالين ذهبت الرعابين مع الرياح. أصحاب شركات الشحن، التي نتعامل معها منذ أكثر من ثلاثين عاما، “طلعوا غير أوادم”. إنهم يرفضون أن يتقاضوا شيكات مصرفية ويصرون على القبض نقداً. لهذا نضطر للجوء الى الصيارفة وشراء الدولار بسعرِهِ المرتفع للتسديد. تُباع 90 ألف سيارة بين جديدة ومستعملة قادمة من الخارج سنويا. الدولة اللبنانية تفرض رسوماً على المركبات المستعملة الآتية من الخارج نسبتها خمسة ملايين ليرة لبنانية، وهذا لا يُطبق على السيارات الجديدة، وهذه مخالفة للقانون. هذه رسوم مزدوجة. ويستطرد وليد فرنسيس: فرض علينا الاتحاد الأوروبي، في باريس 2، ان يكون الجمرك في لبنان خمسة في المئة فقط، بينما نحن ندفع خمسين في المئة للجمارك. انهم يصدرون وصل جمرك قيمته 5 في المئة ويدرجون 95 في المئة الباقية في خانة الإستهلاك المحلي. المواطن يدفع 50 في المئة للجمارك بينما الأصول 5 في المئة. مافيات.
في كل حال، من يقصدون معارض السيارات الجديدة، بحسب فرنسيس، هم من يريدون شراء سيارة ما دون العشرين ألف دولار. نحن لا مصلحة لدينا لنأتي بسيارات مستعملة، ما دون العشرين ألف دولار، وندفع عليها خمسة ملايين ليرة إضافية. زبون العشرين ألفا مضطر ان يقصد معارض السيارات الجديدة.
هناك من يعتبر السيارة الكبيرة “رفاهية” واللبنانيون قادمون، بحسب من يعتبرون أنفسهم مسؤولين، على تقشف! فهل هذا إيذان بأن طرقاتنا ستخلو من “الفور ويل”؟ يختصر فرنسيس الجواب بكلمتين “إنهم يتفلسفون” مضيفاً: أن “الرانج” الذي يستقدم الى بيروت، بسعر ستين ألف دولار، تأخذ منه الدولة ثلاثين ألفا. خزينة الدولة تغذي نفسها من هذا القطاع الذي يُشكل ثاني دخل للخزينة بعد المحروقات. في 2010 كان دخل الدولة ستة ملايين دولار مع كل طلعة شمس من تجارة السيارات المستعملة والجديدة. تراجع في 2019 الى المليونين لأن الدولة اللبنانية لم تعرف كيف تحافظ على هذا القطاع. خرجوا بمشاريع قوانين غير مبنية على دراسات حقيقية واقعية.
أقفل 62 معرضا منذ السابع عشر من تشرين الاول. والآتي أعظم. أصحاب المعارض يدفعون من اللحم الحيّ. إيجار المعرض يتراوح بين ثلاثين ألف دولار ومئة ألف دولار شهريا. ومذ أقروا سلسة الرتب والرواتب أغرقونا بالرسوم الجديدة. كلما أرادت الدولة اللبنانية “تجليس” خزينتها وضعت أعباء إضافية على أصحاب المؤسسات. لا أحد يأخذ في الاعتبار، حتى هذه اللحظة، ان البلد مبني على المؤسسات.
ما هو المسار الذي تمرّ فيه السيارة المشحونة من الخارج؟ سؤالٌ طرحناه على النقيب…
تصل السيارة الى مرفأ بيروت، وهناك ندفع عن كلّ مركبة 300 دولار رسم مرفأ، يذهب أقل من خمسين دولاراً من هذا الرسم للدولة، لصندوق الخزينة، لأن الدولة لزّمت المرفأ الى شركة خاصة. ويذهب من رسوم المستوعبات نحو 80 في المئة الى الشركة الملتزمة و20 في المئة الى “دولتنا الحبيبة”!
رسم الجمرك يذهب بنسبة مئة في المئة الى الدولة اللبنانية، ويستطرد فرنسيس بالقول: أحلى إدارة إدارة الجمارك. كان يُشكّل الجمرك بعبعاً لنا لكن بدري ضاهر طور في المعاملات، سرّعها، وألغى كل القوانين العثمانية الروتينية. نصدق؟ لا نصدق؟ وليد فرنسيس أقسم بذلك.
حين تباع المركبة تذهب الى التسجيل. ثمة مركز معاينة في مصلحة تسجيل السيارات. وهناك مركز آخر في الحدث. تذهبين الى الحدث للمعاينة ثم تعاينين المركبة من جديد في الدكوانة للتسجيل. وهذه مسخرة. الى ذلك، كلفة المعاينة كانت في البداية أقل من خمس عشرة الف ليرة في الحدث وأصبحت 35 ألفاً فمن هو المستفيد منها؟ الدولة تأخذ 10 آلاف وهم 25 ألفا. الاتفاق مع الشركة المنفذة إنتهى فلماذا لا تقوم الدولة بنفسِها بالمعاينة؟ ما هذه الادارة التي تحتاج الى اختصاصيين وكفاءات ليستلموا مركز معاينة؟الأسوأ، أن 58 ألف سيارة عمومية في لبنان، بين تاكسي وصهريج وباص وفان، يجبرها القانون على المعاينة مرتين في السنة. أتتخيلين انتقال 58 ألف آلية الى الحدث مرتين في السنة ثم توجهها الى الدكوانة لدفع الرسوم؟ هناك عقار مساحته 28 الف متر مربع في الدكوانة، الحيط عالحيط مع مصلحة التسجيل، قيمته الشرائية اليوم خمسين مليون دولار، هذا العقار مستثمر منذ أربعين عاما من القطط والجرذان. فلماذا لا يأخذون خمسة آلاف متر منه ويعاينون فيها الآليات العمومية؟ ألا يحق لنا طرح هذا السؤال؟
في بلاد العالم كله، يتراوح رسم تسجيل السيارة بين خمسين دولاراً و150 دولاراً. أما في لبنان، فرسم أقل سيارة تُسجل ألف دولار وهناك سيارات يصل تسجيلها الى 25 ألف دولار. سيارة العشرين ألفاً تصل قيمة تسجيلها الى 1500 دولار. سيارة الخمسين ألفاً 4500 دولار تسجيل. سيارة الثمانين الفا ندفع عليها 8000 دولار تسجيل. وندفع 25 ألف دولار رسم تسجيل على سيارات الـ “فيراري” والـ”لامبورغيني” التي ينقص سعرها عن 150 ألف دولار وكلما زاد المبلغ زاد الرسم.
طبيعي أن تفقد السيارات، مع مرور الوقت، من قيمتها حتى لو استمرّت واقفة في المعرض. ويقول فرنسيس: هي تخسر من قيمتها كلّ ستة أشهر لأن كل ستة اشهر تصدر تسعيرة جديدة للجمارك. والرسم الجمركي ينخفض 4 في المئة كل ستة أشهر، ما معناه أن ستوك السيارات، المشكل من 150 سيارة، يخسر 40 ألف دولار من قيمته كل ستة أشهر.
يبقى السؤال، هل من خطة للتصدي أم أن المشكلة أصبحت أكبر من قطاع وحتى أكبر من دولة؟
تجار السيارات “يُدوّرون” حاليا قروشهم البيض ويقول فرنسيس: ما جمعناه في اربعين عاما نهدره منذ ثلاثة أعوام. نحارب برساميلنا على امل ان يعود ويستقيم الوضع. واذا لم يستقم خلال الاشهر القادمة فنحن سائرون حتما الى الاقفال. تباع السيارات المستعملة في المعارض بدولارٍ قيمته 1700 ليرة، لا 1500 ولا 2500، وهذا يجعل العربة التي بعناها، بحسب النقيب، بسعر اربعين الف دولار واعتقدنا اننا ربحنا فيها 2000 دولار قد خسرتنا 13 ألفاً! أليس هذا إفلاسا؟ هذا “هير كات” علينا. انهم يقومون “بالهير كات” حتى على خبزنا اليومي!
عدد السيارات العالقة التي دفع أصحاب المعارض رعابينها وما عادوا قادرين على استيرادها تزيد على 1500 مركبة. الإستيراد توقف بالكامل وبعد أشهر قليلة سيضطر البعض الى ترميم سيارات 1970 و1980. وستوكات السيارات الجديدة التي لا تزال موجودة تقل عن 20 في المئة. ستوكات شركتا أودي وتويوتا نفدت. ثمة أنواع سيارات مستعملة نفدت أيضا من المعارض مثل كاديلاك ورانج روفر ومرسيدس س 300 وتاهو. ويستطرد نقيب أصحاب معارض السيارات المستعملة: نحن نبيع السيارات مقابل شيكات مصرفية محملين أنفسنا مخاطر فقدانها وما ستؤول إليه أحوالنا في حال إفلاس الدولة. نحن بين شاقوفين.
قرر أكثر من ثمانين تاجر سيارات الإستثمار اليوم في قبرص أو دبي أو أفريقيا. وأفكّر جديا في تأسيس تجارة مماثلة لابني في اليونان أو في قبرص.
الدولة تتخبط في المجهول، وكلّ الحلول التي تنتهجها تأتي على حساب المواطنين والتجار والمؤسسات. “تُهشل” الدولة من يُغذّون خزينتها فعلياً. هناك نحو 12 ألف سيارة مستعملة تأتي الى لبنان سنويا، ولنفرض أن الدولة تتقاضي عن كلّ آلية ما معدله 8000 دولار، هذا سيؤدي الى خسارة خزينة الدولة 96 مليون دولار سنويا.
تريدون تهريب “دولاراتكم” من البنوك اللبنانية؟
شراء سيارة يبقى حلاً حتى نفاد الستوكات. قولوا الله!

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى