نظّم “مجلس بعلبك الثقافي” في مركزه في بعلبك، إحتفال توقيع كتاب “مذكرات نجمة داود التائهة” للمؤلف مجد الدين كامل العرب، برعاية وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن، وحضور رئيس اتحاد بلديات بعلبك شفيق شحادة، رئيس بلدية بعلبك فؤاد بلوق وفاعليات ثقافية وتربوية واجتماعية.
وألقى الحاج حسن كلمة قال فيها: “نحن نؤمن بأننا في زمن حوار الحضارات، التي تعتمد منطق الفهم ومنطق العقل، لأن الآخر عندما تحدث عن صراع الحضارات إنما كان يريد لنا أن نغوص في بحر من الدماء في هذه المنطقة وفي كل العالم. وفي السياسة لا بد لنا أن نقارب الأمور من المنطق الجميل للثقافة، وعندما نتحدث عن حوار الحضارات ونكتب المجلدات ونتشدق بحوار الحضارات، وبأننا دعاة حوار حضارات، علينا أن نلزم أنفسنا في الداخل أن نكون متحاورين، بعيداً عن العنجهية على الطاولة، حتى نصل إلى أن نحاكي عذابات الناس. اليوم لا يوجد كهرباء في البلد، ونحن أمام أزمة حقيقية مركبة، لذا علينا أن نتداعى جميعاً إلى حوار حقيقي، وأن نبدأ بالحوار من بوابته الوطنية حتى نصل إلى كل تفصيل من التفاصيل، وأعتقد جازماً انها اللحظة الحقيقية التي يمكن لكل الأفرقاء السياسيين في البلد ان يكونوا جديرين بهذا الوطن، وأن يكونوا قادرين إن شاء الله على إنقاذه في القريب العاجل، بدءاً من انتخاب رئيس للجمهورية، وصولاً إلى حكومة أصيلة، وبعدها العمل على تفكيك كل الملفات الاجتماعية والاقتصادية وما أكثرها”.
وأضاف: “في حضرة الثقافة والأدب نعود إلى المربع الأول، حيث الأحرف الأولى والبسمة الاولى والقبلة والعشق والإيمان الاول المطلق. عندما زارني مجد الدين بصحبة والده الشيخ كامل، وحدثني عن باكورة أعماله الفنية الأدبية، حدثني عن مذكرات نجمة داود التائهة، وكم أن الغوص في دفاتر التاريخ صعب، لكنه في نهاية الأمر عصارة فكر تتولد إبداعا قصصيا أدبيا”.
وتحدّث عن “لمحات لافتة في طيات الكتاب، منها سرد محبب ولغة عربية سليمة تتجاوز الإطناب وتنساب بجمل صغيرة وصفية تجعلك منجذبا لتفاصيل الحكاية القصة. صدقت يا مجد عندما قلت ليس كل البشر قادرين على إدراك حقيقتهم كاملة، فمعرفة الله تأتي بعد أن نتعرف على ذاتنا المتصلة أصلاً بمعرفة الخالق”. وقال: “ابن بلدتي، بلدة الشهداء والمناضلين، بلدة الفلاحين والمقهورين والمصروعين من مقارعة الحياة، هذا الشاب المثقف نتوسم به خيرا بنفحته الإيمانية، وهو ابن أبيه الذي نعتبره قيمة مضافة في بلدتنا، كفاح وجلد وصبر وإيمان، عناوين كتبها الأب وبعده الإبن، والمسيرة قوافل من الجهاد في هذه الحياة. نحن محكومون بمنطق البحث عن الذات، ومعرفة الله وتجلياته في كل سكنة وعطفة من عطفات الوجود”.
وختم: “إن تحريف التاريخ والحاضر لم يدفع بأصحاب الحق إلى نسيان قضيتهم، فمركزية القضية الفلسطينية تتكامل فيها الثقافة بالعلم بالمقاومة، فلسطين يا سادة تسكن في دفاترنا وأقلامنا كانها النقاط التي تحرك لغتنا، فلسطين حلم ينكسر خاطر الليل بدونه، فلسطين مركزية توجهاتنا الإنسانية، والفكرية والادبية والوطنية والقومية”.
وألقى الشاعر والناقد الياس الهاشم كلمة “مجلس بعلبك الثقافي”، مشيراً إلى أن “الكاتب يطرح في مذكرات نجمة داود التائهة إشكاليات وتساؤلات كثيرة، منها الدين، الله، العدالة، المساواة، المرأة، الحياة، والموت، بأسلوب سردي، لا يعتمد على عناصر السردية التي تقوم عليها الروايات، لكنه حافظ على جوهر القيمة السردية والغاية من السرد، وذلك على طريقة “مذكرات الأرقش” لميخائيل نعيمة، وفي الوقت عينه حمَّل هذه السردية أفكاره التي أراد الإفصاح عنها من خلال بطله آرون، الذي ألبسه اليهودية دينا وسلوكا، والمسيحية سلطة دينية ومدنية في تصرفاته، وأبعد عنه الإسلام دينا وسلطة وتصرفات”.
وقال: “الكاتب يريد الإفصاح عما يرفضه وعما يقبله، ويريد إبعاد الشبهات عنه كونه مسلما محمديا، في طرحه للمقدسات وللمسلمات، فالكاتب هو نفسه البطل الذي حمّله طريق النجمة، واستعار صفة التائهة لها، لكنه ليس تائها أبدا، إنه مفكر منطقي عقلاني، يريد إيجاد موازنة بين العقل والإيمان، بين الدين الآدمي والدين الإنساني، يريد ان يعرف الله دون قوالب جاهزة وإسقاطات تتعارض مع المنطق والعقل، فاستند إلى التوراة وما جاء فيها من أخبار، ليثبت ان هارون رجل موجود في أعماق كل واحد منا يرفض، ويرضى، ويخاف، ويتمرد يؤمن غصبا عنه خوفا من القتل ومسايرة لسلامة رقبته أمام عباد العجل الذهبي صنيعة هارون وأتباعه”.
وإعتبر أن “مجد الدين العرب في مذكراته نجمة داود التائهة يريد أن يعيد تشكيل الرؤى التاريخية التي تتحكم بمصيرنا منذ آدم الى يومنا هذا، على قاعدة المعرفة والعقل، لا على قاعدة تحكم فئة دون الأخرى بعالم الغيب وفرضه على الآخرين. من هنا وجدت في سيميائية مجد أن الله واحد لا شريك له، وهو ليس لفئة من الناس دون غيرهم، وكل التاريخ والعادات والتقاليد والموروثات قابلة للنقاش وللتغيير، فلا ثابت إلا الله، والكل متحول ومتغير”.
وختم: “مجد الدين العرب انت قلم جريء ومفكر عميق، لقد قاربت الفلسفة، لكنك لست بفيلسوف، وعالجت التاريخ ولم تجرؤ على مقارعته والوقوف في وجهه، فقتلت بطلك في النهاية. مجد الدين، أنت مجد، كن مجدا ولا تكل وتستسلم، فأنت المؤمن بالحب والعدل والرحمة، وهذا هو الله الذي تفتش عنه على لسان بطلك آرون، استبدل آرون وقل هذا مجد، وأعدكم بأمجاد كثيرة”.
وتحدث مفتي بعلبك الهرمل الشيخ بكر الرفاعي، فقال: “عندما تكون الثقافة حجر ارتكاز في حركة المجتمع، يكون مجتمعنا مجتمعا يتجه نحو الأفضل والأحسن والأجمل. حاجتنا إلى الثقافة في مجتمعاتنا أشد من حاجاتنا للطعام والشراب، لأننا نستطيع أن نصبر أحيانا بدون طعام ولا شراب، ولكن لا نستطيع أبدا أن نحيا حياة ضحلة صحراوية خالية من الثقافة التي يجب أن ترتقي وتنهض بالافراد والمجتمعات”.
ورأى أن “هذا النموذج الذي قدمه لنا مجد هو نموذج علمي قراني، لأن القرآن في بدايته تحدث عن خلق آدم، ولما خلق الله آدم يستوقفنا أن الملائكة وهي مخلوقات نورانية مجبولة على الطاعة طرحت الاسئلة، بالتالي أولى ان يأتي شاب في مقتبل عمره ليطرح بعض هذه الاسئلة القلقة الوجودية، وسواء قدم أجوبة مقنعة أو لم يقدم، أوصلنا إلى النهاية التي نريد أو لم نصل، يكفيه شرف المحاولة. وفي موضوع الحوار، كذلك في قصة خلق آدم نقف على معنى جميل، أنه بمجرد ان يكون هناك حوار بين الحق المطلق وهو الله، وبين ابليس هو الشر، هي دعوة دائمة وقائمة للحوار الذي يجب أن يستمر دائما، من هنا اهمية الحوار الذي دار وأهمية ان لا يكون هناك مقدسات في الحوار. ونحن كمؤمنين لا نؤمن بأي إنسان يحمل عقيدة متوارثة، لا بد وأن يفتش ويبحث، ولا بد ان يصل إلى نتيجة يبني الإنسان عليها عقيدته فيما بعد”.
وأكد أن “الأدب جاء ليخدم قضية أكبر وأهم، من هنا أهمية التركيز على المثقف ودوره في المجتمع. ولا بد أن نستحضر هنا شيء من فلسطين، يا ترى لماذا تم اغتيال غسان كنفاني وهو مثقف، لماذا تم اغتيال ناجي العلي وهو مثقف، لماذا حاولوا اغتيال محمود درويش او اعتقاله وهو مثقف؟ إذاً الثقافة تلعب دورا اساسيا ومحوريا في موضوع الصراع القائم اليوم حول فلسطين وأهميتها ومركزيتها، لذلك كلما ركزنا على الثقافة ودورها ومحوريتها، نحن في مكان ما نقف إلى جانب هذه القضية الأهم والأم. وفي موضوع الصراع القائم والدائم ما بين إنسان احتلت أرضه وسرق بيته وهو إرهابي، وإنسان احتل الأرض وسرق البيت وهو مسالم، كيف يستقيم ذلك؟ أنت يا مجد الدين، جمعت في إسمك ما بين المجد والكمال والعروبة ويكفي ذلك”.
وبدوره قال العرب: “أول الأمر كان الهدف من كتاباتي محاولة بسيطة لأبوح لنفسي بما يختلج خاطري ولا أستطيع الإعتراف به للآخرين، ولطالما كانت نفسي هي الشخص الوحيد الذي أستطيع الإعتراف له بأحلك الأمور ظلمة وسوداوية، ولكن هذه الكتابات تبدلت وتغيرت، وباتت أكثر وضوحا لي. بعد ذلك لم أرد منها سوى أن أجسد واقعا نعيشه جميعا، إذ أنني أجد أن بداخل كل منا “آرون” يبحث في قلب متهالك وبين أضلع مفتتة مترامية، وهذا البحث يتمثل بحاجتنا إلى الله، وغوثنا به، لأننا ضعاف جدا لا نقوى على شيء، آمنا ولذنا إليه واستعذنا به”.
ختاماً، وقّع العرب كتابه للحضور.