حوّل حزب الله الانتخابات النيابية المقررة في 15 أيار المقبل إلى موعداً للعبادة، إذ قال رئيس المجلس السياسي في الحزب السيد إبراهيم أمين السيد إنّ "الانتخابات قبل أن تكون فرصة سياسية وموقف، هي فرصة عبادية، مثلما تصلّون في الجامع، ومثلما تصومون في رجب وشعبان ورمضان، يجب أن تذهبوا إلى صناديق الاقتراع، لأن التصويت كما الصلاة في المساجد".
انتخاب حزب الله وغيره من الحلفاء في السلطة كالعبادة، هذا ما تريده هذه الأحزاب فرضه على اللبنانيين، وهذا ما تريد تكريسه على مستوى الروابط مع الناس. قيادات الأحزاب هي الآب الأكبر، والناخبون والأنصار والناس تحتها يقتدون بها، يصلّون لها، يطلبون الصفح منها والغفران. ومع هذا الموقف تصبح صفة "التأليه" التي لطالما لاحقت اللبنانيين كتهمة، فعلاً واقعاً، وبطلب معلن ومكرّس من القيادات السياسية.
موقف السيّد يأتي استكمالاً للسطوة السياسية الدينية الاجتماعية الثقافية التي يفرضها حزب الله على جمهوره، حتى بات الاقتراع للحزب ولوائحه وحلفائه فعلاً ينمّ عن الإيمان، طقساً من طقوس العبادة، فرض جديد على المؤمنين اتّابعه لدخول الجنة. في القرون الوسطى، وُعدت شعوب أوروبا المسيحية بأراضٍ في الجنة إن تخلّت عنها لصالح الكنيسة، أو وهبتها لها مقابل الحصول على أرض في الجنّة.
دعوة حزب الله إلى اتّباع طقس العبادة الانتخابية يعني دعوة اللبنانيين علناً إلى تقديس قياداتهم السياسية، وبالتالي الموافقة ضمناً على استمرار مسلسل الأزمات الذي يعيشون فيه على مختلف المستويات الدستورية والقانونية والقضائية والسياسية والمالية والاجتماعية. دعوة مماثلة لا يمكن إلا أن تصدر عن قيادات تتحكّم بالبلاد والعباد، وإلا لكانت رُجمت وتمّت الإطاحة بها. في هذه الدعوة تكريس لاحتكار المشيئة الإلهية (استغفر الله) وتطويعها وتعليبها بما يتماشى مع المصالح السياسية.
تقول المشيئة السياسية اليوم أن الانتخابات طقساً دينياً، وبعد حين ستقول إنّ السكوت على الظلم تقوى والنوم بأمعاء خاوية زهد والوجع من الأمراض من دون الحصول على دواء إيمان بليغ، يقابل جميعها استحسان في الجنة والآخرة. سياق السطوة الدينية على اللبنانيين وحياتهم السياسية والاجتماعية في طريقها إلى هذا الواقع المرّ إن لم يخرج اليوم من يرفض كل هذه البدع والارتكابات. لو كان الفقر رجلاً لقتلته، الإمام علي بن أبي طالب.