رأى وزير الثقافة القاضي محمد المرتضى، ان “اللغة العربية بدون أدنى شك، تشكل للعرب الخزانة التي حفظت إيمانهم وتاريخهم وتطلعاتهم، وهي بهذا المعنى جزء من هويتهم الثقافية والاجتماعية والسياسية، تجمعهم بعضا إلى بعض مهما اختلفت أقطارهم وتعددت لهجاتهم. وعلى أمل أن توضع خطة وطنية، بل قومية، تهدف إلى شد الأواصر بين اللغة والناس”.
وقال المرتضى خلال حضوره ورعايته حفل جوائز النسخة الاولى لجمعية “بالعربية للغات والتحديث”، في قاعة مقر المكتبة الوطنية – الصنائع: “اللغة بيت الوجود، فيها يقيم الإنسان. وحراس بيتها أولئك الذين بالكلمات يفكرون، فبفضل حراستهم تحقق الكشف عن الوجود”.
وأضاف: “أحسب أن ليس كالعربية لغة تنطبق عليها هذه المقولة للفيلسوف الألماني مارتن هايدجر. بل أحسب أن ليس كالعرب قوم يسكنون لغتهم، منذ أن تكونت معانيها في رتابة الصحراء وضآلة أشيائها، حتى أصبحت فيما بعد الوعاء الذي استوعب منجزات الحضارة الجديدة، فقها وعلم كلام، ولاهوتا وفلسفة، وأدبا وتأريخا، وطبا وفلكا وكيمياء وعلوما أخرى مادية وإنسانية”.
وتابع: “وهي، على الرغم من اغترابها اليوم عن كثير من الأقلام والألسنة، لا تزال من أكثر اللغات نطقا بها في الأرض، ولا تزال الحرف الذي به تتلو صلواتها شعوب شتى وأمم من كل صوب وعرق. بل إنها من أكثر اللغات في الأرض ديمومة منذ أن تشكلت إلى اليوم”.
وقال: “أيكون أمرها هكذا لارتباطها بالمقدس؟ أم لكونها في بنائها الأبجدي على عمق جذور، وسعة اشتقاقات، وطول باع في الأوصاف والمترادفات، وارتفاع قدرة على التطور وتجدد التعابير؟ ولماذا إذا يعسر على بعض أبنائها اكتناه جمالاتها؟ وما الوسائل التي بمستطاعها أن تعقد الصلح الواقي بين أجيالها وتراثهم؟”.
وأضاف: “أسئلة تزدحم بلا هوادة، وتضرم في القلب شعلة نار. ذلك أن دروس التاريخ تعلمنا أن علاقة طردية تنعقد بين اللغة والأمة، فبمقدار ما تكون أمة في سيادة الحضارة تكون لغتها في سيادة اللغات، والعكس صحيح. ولأنها معيار ارتقاء أهلها أو انكفائهم، يصير تعلقنا نحن العرب بلغتنا دليلا على انتسابنا الأدبي إلى الهوية الحضارية التي ازدانت بها في عصورها الزاهية، حين عاش العالم كله في الزمن العربي الذي عبرت به الإنسانية إلى عصور التنوير فالنهضة فالحداثة، فما بعدها”.
وشدد المرتضى على “اهمية حث الناشئة الاغتراف من جمالية اللغة العربية، وقال: “الآن ههنا، في ما نحن فيه من احتفال، نحاول أن نقدم جوابا عمليا على تلك الأسئلة، بأن نعرف الناشئة على كنوز جمال تختزنها اللغة العربية، ونزرع في أفكارهم حبها وفي قلوبهم انتماء إليها، هوية وبيت وجود. وجمعية “بالعربية للغات والحداثة” اتخذت هذا السبيل لها غاية، وما برحت منصرفة إليه، نشاطا بأذيال نشاط، كأنما شعارها “ألا في عشق لغتهم فليتنافس المتنافسون”.