أقل من شهر يفصل عن موعد إقفال باب الترشيحات للإنتخابات النيابية المقبلة المحدد في 15 آذار. مع ذلك لا تزال مشهدية الإستعدادات على الأرض باردة نظرا إلى الضبابية التي تحيط بالصورة الإنتخابية سواء على مستوى الترشيحات أو التحالفات وتركيب لوائح المرشحين وصولا الى التشكيك في إمكانية إجرائها في موعدها، مما يرسم أكثر من علامة استفهام حول الفريق الذي يرغب في التأجيل ويعمل عليه، في مقابل الموقف الدولي الذي يصر على إجراء الإنتخابات والتحذير من مغبة تأجيلها أو إلغائها تحت طائلة فرض عقوبات أميركية وأوروبية على كل نائب يوقع على التمديد لمجلس النواب.
وفيما تبدو الصورة أكثر من ضبابية مع اقتراب موعد الإستحقاق، تؤكد مصادر مراقبة أن لا تأجيل ولا إلغاء للإنتخابات النيابية المقبلة إلا في حال وقوع حدث أمني كبير. ولا يخفي المراقبون أن يكون الحدث شبيها بعملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 الذي أنتج ثورة الأرز وطرد المحتل السوري ووصول أكثرية نيابية من فريق 14 آذار في الإنتخابات التي تلت الحدث الأسود. أما الكلام عن إشكال أمني من هنا وتظاهرات شعبية هناك احتجاجا على الوضع المعيشي والمالي فلن يغير في الواقع شيئا. على العكس قد تكون كل هذه الممارسات بمثابة حافز لشد عصب الرأي العام وضخ الحماسة في نفوس الناخبين، والأهم أنها ستكون السبب الرئيسي لتغيير المنظومة عبر صناديق الإقتراع. وهذا ما يراهن عليه المجتمع الدولي وفريق السياديين في الداخل. أما لجهة فريق الممانعة فالواضح أنه قرأ بين سطور المجتمع الأوروبي والأميركي جدية القرارات المتعلقة بفرض عقوبات على كل نائب يصوت للتمديد للمجلس، خصوصا أن الظروف والأرضية غير مبررة على عكس ما حصلت عليه في دورات سابقة.
وإذا ما عدنا إلى سجلات الإنتخابات النيابية في لبنان، نلاحظ أن عمليات التمديد والتأجيل حصلت ولأسباب تتعلق بالحرب وبلغة المدفع التي كانت سائدة. فهل سقطت ذرائع التمديد للمجلس الحالي بتهديدات المجتمع الدولي؟
النائب السابق فارس سعيد يؤكد لـ”المركزية”، أن “الكلام عن تأجيل الإنتخابات سياسي ويعكس وجهة نظر معينة. لكن الفريق الوحيد القادر على ذلك هو حزب الله. والثابت أن لا مصلحة لديه مطلقا في تأجيلها”.
في عرض للظروف التي أحاطت بالإنتخابات النيابية في العقود الماضية يتبين أن هناك دائما تلاقيا ما بين المناخ الداخلي ولحظة إقليمية ما. ويقول سعيد: “انتخابات العام 1968 جاءت بعد هزيمة الرئيس جمال عبد الناصر وأسقطت النفوذ الناصري-الشهابي. وفي العام 1992 ثبّتت الإنتخابات نفوذ سوريا بعد قبول حافظ الأسد الشروط التي فرضها مؤتمر مدريد، وأعطي الأسد نفوذا وتمكن من إبرام الإتفاقات التي جعلت من الدولة اللبنانية مقاطعة سورية. وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري جاءت الإنتخابات بغالبية نواب من فريق 14 آذار بعد خروج سوريا، أما اليوم فالأمن لإسرائيل والنفوذ لإيران المنتشرة في كل من العراق وسوريا ولبنان، إذا لا مصلحة للحزب في تأجيلها وستحصل!”.
الكلام الأوروبي – الأميركي عن ضرورة إجراء الإنتخابات النيابية لا يخرج عن طور أدبيات المجتمع الدولي وهو سائد منذ العام 1982 حتى اليوم بحسب سعيد. إلا أن هذا “الموقف روتيني وليس سياسيا والإنتخابات ستحصل وستنتج مجلسا لصالح الغالبية إلا إذا توحدت القوى السيادية للإعتراض على هذا الموضوع وهذا يتوقف على تقنيات المعركة. فهل ستتمكن هذه القوى من توحيد صفوفها في اللوائح؟”. يؤكد سعيد أن حزب الله لن يوفر وسيلة لتوحيد صفوف حلفائه المسيحيين وجمعهم في لوائح موحدة بهدف إدخالهم إلى المجلس وتأمين التمثيل الوازن من أجل تعديل الدستور واتخاذ تدابير قانونية لمصلحته.في حين يخوض الفريق السيادي معركة وفق حجمه الخاص ولا يجوز في هذه اللحظة التاريخية خوض المعركة الإنتخابية تحت عناوين عديدة على رغم أهميتها، في ما المطلوب خوضها تحت عنوان واحد هو رفع الإحتلال لتحديد حجم التيار اللبناني المعارض لوضع اليد على لبنان”.
قد يكون التعويل على الموقف الأوروبي-الأميركي من الإنتخابات النيابية وكذلك موقف الفاتيكان التي يزورها البطريرك الراعي يلاقي اللحظة التاريخية في الداخل اللبناني. حتى أن البعض يرى في الزيارة المرتقبة لوزير خارجية فرنسا جان ايف لودريان الى بيروت في الاسبوع الاول من اذار محطة، من شأنها أن تدفع بقاطرة الإنتخابات إلى الأمام كون المحادثات ستتناول بالتفصيل هذا الموضوع وثمة من يرجح بأن تكون مواقف لودريان شديدة وقاسية وواضحة باتجاه من يعرقل سير الحل للازمة. إلا أن سعيد لا يرى أي تغيير في المشهدية “فالفرنسي يبرد ويهادن الأجواء مع حزب الله بهدف عودة إيران إلى المجتمع الأوروبي. والواضح أن إيران سترضى بهذه المعادلة شرط أن تحصل على نفوذ أكبر في العالم العربي. وهي حاصلة عليه بما أنها موجودة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان” يختم سعيد.