تعرّضت المؤسسات التي يفترض ان تشكل العمود الفقري للجسد اللبناني، في الاسابيع القليلة الماضية، من مصرف لبنان الى المؤسسة العسكرية مرورا بالقضاء، لخضات قوية متتالية، في مشهد قاتم وسوداوي يتهدد البلاد جديا في مستقبلها، ما لم يتم تبديد مفاعليه السلبية سريعا من قِبل الطبقة السياسية التي لها الدور الاكبر في ايصال الوضع الى ما هو عليه اليوم من فوضى وتخبّط.
فبحسب ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، يبدو لمن ينظر الى تسلسل الاحداث في الاسابيع والايام الماضية ان ثمة قرارا لدى اطراف سياسية معينة باستهداف المؤسسات الاساسية هذه، تمهيدا لإدخال تغييرات اليها وجعلها اكثر طواعية وتجاوبا مع توجهاتهم، ونظرتهم لطريقة ادارتها. وتطوراتُ الاحداث على هذا الخط في الايام المقبلة ستثبت صوابية هذا التحليل من عدمها.
المصادر تُذكّر بالضجة التي اثيرت حول مصرف لبنان وسياسات حاكمه رياض سلامة، وهندساته المالية. وبعد ان هدأت هذه العاصفة، اندلعت حرب ضروس لم تضع اوزارها بعد، ملعبُها القضاء، على خلفية حكم المحكمة العسكرية في قضية المقدم سوزان الحاج. فقد رأى تيار “المستقبل” وحزب “القوات” والحزب “التقدمي الاشتراكي” ان الحكم مسيّس، وذهب الازرق في المواجهة بعيدا، واتهم بصراحة “التيار الوطني الحر”، عبر وزير الدفاع الياس بو صعب، بالتدخل في المسألة عبر تغطية مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس. فغرد الامين العام لتيار “المستقبل” احمد الحريري على حسابه على “تويتر” سائلا إياه: “هل يعطيك القانون حقوقا بتجاوز القانون وقلب الحقائق والتدخل بمجريات تحقيق عدلي؟”، مضيفا: “وضعت نفسك يا معالي الوزير في قفص الاتهام. انت متهم بتخريب مسار قضائي وتغطية ممارسات قاض متهور والاساءة لكرامة ضباط لبنانيين ومؤسسة أمنية تقوم بدورها في كشف اوكار العمالة والارهاب والعفن الكامن في زوايا الدولة”.
وفيما الاشتباك على هذه الجبهة مستمر، رفع قائد الجيش العماد جوزيف عون الصوت ضد ما يبدو انها محاولات لوضع اليد على قرار المؤسسة العسكرية. فأشار العماد عون الى “سلوك متعمّد لتطويق المؤسسة العسكرية بهدف إضعافها وضرب معنويات ضباطها وعسكرييها، وهذه جريمة بحق الوطن”، وقال: “لن نستكين ولن نرضى المس بحقوق ضباطنا وجنودنا ولا بكرامتهم، ولن تثنينا محاولات إضعاف المؤسسة من الضغط باتجاه استمرار المطالبة بحقوقنا”.
ازاء هذا الواقع، تحذر المصادر من استمرار مسار ضرب أعمدة الهيكل اللبناني، خوفا من تداعيه وسقوطه. فإطلاق ورشة اصلاح القضاء وتنزيهه ضروري، تماما كما تعزيز مقدرات المصرف المركزي والمؤسسة العسكرية بدلا من اضعافها، خاصةً وأنها من نقاط القوة القليلة الباقية للبنان لتبييض صورته وصفحته امام المجتمع الدولي. وتنصح القيمين على البلاد بوجوب التنبه والحذر لمخططات قد يكون رسمها البعض من أجل وضع يده على الدولة عن طريق دكّ مؤسساته الصلبة وتفتيتها تدريجا لنيل ما يطمح اليه بسياسة الاستهداف الممنهج بعدما عجز عن نيله بالوسائل الاخرى منذ عقود.