جنى الدهيبي | المدن
ينتهي شهر أيار في طرابلس، ليبدأ مع حزيران العدّ العكسي لمعركة طرح الثقة برئيس مجلس بلدية طرابلس، أحمد قمرالدين. في تحقيقٍ سابق، شرحت "المدن" حيثيات هذه المعركة المنتظرة، المندرجة ضمن ما يتيحه قانون البلديات في لبنان، الذي يسمح بعد مرور نصف ولاية المجالس البلدية، الممتدة ست سنوات منذ انتخابها، إعادة طرح الثقة برؤسائها.وبعدها، يُصار إمّا أن يجددها كلّ مجلسٍ لرئيسه، وإمّا أن يحجبها عنه، ليعود وينتخب أحد المرشحين من الأعضاء، ليكون رئيسًا بديلًا منه في النصف الثاني من ولاية العهد البلدي.
مهلة شهر
بات معروفًا أنّ "معركة الثقة" في بلدية طرابلس، لن تكون كحال غيرها من البلديات، لا سيما أنّ الإجماع المُبرم بين أعضاء المجلس، المنقسمين إلى فريقين، يتجه بشكلٍ شبه محسوم إلى "حجب الثقة" عن قمرالدين، كنوعٍ من الحساب العقابي على تراكم الفشل في الأداء البلدي على مرّ ثلاث سنواتٍ ماضية. وقمر الدين، الذي يعيش في مرحلةٍ حساسةٍ لا يُحسد عليها من العزل ومحاولة إقصائه، يبدو أنّه متمسكٌ بسلطة مركزه أكثر مما يلزم أو يحْتمل رئيس بلدية يُجمع أعضاء مجلسه على ضرورة سحب الثقة منه، كخطوةٍ أولى في جدار الإصلاح البلدي وإنقاذ مدينة طرابلس. وللتذكير أيضًا، فإنّ مجلس بلدية طرابلس المُنتخب في 29 أيار 2016، وجمعه محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا في 15 حزيران 2016 من أجل انتخاب رئيس له، فإنّ قمرالدين ابتداءً من 15 حزيران 2019، يكون ملزمًا بمهلةٍ أقصاها شهر أن يحدد موعد عقد جلسة إعادة طرح الثقة.
فما هي الخارطة النهائية لمعركة طرح الثقة بقمر الدين حتّى الآن؟
رسميًا، لا يوجد قرار يحسم مسألة حجب الثقة عن قمر الدين. وكلّ ما يُحكى في ظلّ الانقسام العمودي داخل المجلس، والشرخ بين فريقي أعضائه، لا يزال في إطار "الكلام" وحسب، لا سيما أنّ جميع الأعضاء المنقسمين، حسب المعطيات، ينتظرون الأسبوع الأخير الذي يسبق تحديد قمرالدين لموعد جلسة طرح الثقة.
لكن الواضح، أنّ قمرالدين يلعب على الوقت ويسعى لكسب المزيد، رهانًا منه على تسوية الأمور لصالحه، ببقائه رئيسًا على مجلس البلدي. وضمن مسار "اللعب على الوقت"، حدد قمرالدين اليوم الخميس 30 أيار، موعدًا لعقد جلسة المجلس البلدي من أجل مناقشة مشاريعه. وهو بذلك، يكون قد كسب شهرًا إضافيًا كاملًا، فحسب قانون البلديات، يحقّ للرئيس أن يفصل بين جلسةٍ وأخرى شهرًا واحدًا كحدّ أقصى، ما يعني أنّ بإمكانه أن لا يحدد موعد الجلسة المقبلة قبل 30 حزيران 2019.
تبدّل التحالفات
الأكيد في مسألة طرح الثقة، أنّ الكلمة الفصل ستكون للقرار السياسي والقوى الحاكمة في المدينة، خصوصًا أنّ تركيبة البلدية طرابلسيًا، قامت في البدء على توافقٍ سياسيٍ عريضٍ، في لائحةٍ يرأسها عضو البلدية الحالي عزام عويضة، الذي سماه رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي وهو المحسوب عليه، لكنّها مُنيت بالخسارة أمام اللائحة المدعومة من اللواء أشرف ريفي، والتي كان يرأسها أحمد قمرالدين.
اليوم، كلّ المعادلة تبدلت رأسًا على عقب. ريفي الذي فازت لائحته بثلثي أعضاء المجلس لم يعد "يمون" عليه، بعد أن سحب يده من البلدية في العام الماضي، ورفع الغطاء عنها نتيجة تعثرها. قمر الدين أصبح على توافق كبير مع أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري، ويسّهل له كلّ ما يطلبه في طرابلس، ويسعى لتدعيم نفوذه وترسيخ شبكة علاقاته مع مختلف قيادات المدينة. الرئيس ميقاتي خلال زيارة قمرالدين له، حسب المعلومات، كرر له أنّ كلّ أعضاء المجلس لا يرغبون ببقائه، وأنّهم أثناء زيارتهم له أعلمهم أنّ مرشحه الوحيد، في حال شغر منصب رئاسة البلدية، سيكون عزام عويضة، وهنا نقطة الخلاف التي قد يقع الأعضاء في فخها.
سبق أن ذكرنا أنّ ترشيح عزام عويضة على رئاسة المجلس البلدي، لا يحظى بالتوافق الكامل بين الأعضاء المنقسمين بين مؤيدٍ ومعارضٍ لهذا الترشح. الفريق المعارض، والذي لم يهادن قمرالدين وكان على خلافٍ دائمٍ معه، يعتبر وفق وجهة نظره، أنّ ترشيح عويضة قد يكون تكرارًا للخطأ نفسه، لا سيما أنّه طوال الفترة السابقة لم يظهر له موقف واحد، ولم يكن عضوًا فاعلًا في البلدية. وهذا الفريق لديه عدد من الأسماء القابلة للترشح وأبرزها نائب رئيس بلدية طرابلس خالد الولي. أمّا الفريق المؤيد لترشيح عويضة، فيعتبر أنّه يتعامل مع الأمر بواقعيّة أكبر، وأنّ التجربة أثبتت بأنّ رئيس البلدية الذي لا يحظى بغطاءٍ سياسي وتوافقٍ على اسمه، تُعرقَل كلّ مشاريعه في المدينة وفي الوزارات المختصة، كما أنّ واحدًا من أجواء هذا الفريق، يشير لـ "المدن" على ضرورة أن تكون المعركة على "نائب الرئيس" أيضًا، باعتبار أنّ من يتولى هذا المنصب "يجب أن يكون على الموجة نفسها لعمل الرئيس، وأن لا يكون خصمًا له ويعمل ضدّه". ويعتبر أيضًا أنّ قمرالدين رغم سوء أدائه، "لكنّه ظُلم أيضًا، في داخل البلدية وخارجها نتيجة عرقلته".
بين "العزم" و"المستقبل"
ورغم التقارب الكبير بين أحمد الحريري وقمر الدين، إلّا أنّ أمين عام "المستقبل"، وفق معلومات إعلامية متداولة في أوساط ميقاتي، سبق أن أبلغ قمرالدين، أنّ مسألة التوافق على اسمه أو اسم مرشحٍ بديلٍ منه لرئاسة البلدية، هي مسأله محصورة فقط بالتوافق بين الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي. ورغم أنّ هذا "الحصر" يبدو منطقيًا لطبيعة التحالف والتوافق المُبرم بين الرئيسين، لكنّ اللافت، أنّ "إعلام المستقبل" نفى يوم الأربعاء هذه "المعلومة" بوصفها "غير دقيقة" بصدورها عن موقع "لبنان 24" التابع لميقاتي. وهو ما يطرح التساؤل إن كان هذا النفي تمهيدًا مستقبليًا للتمسك بقمر الدين وبقائه رئيسًا، مقابل عدم السير مع خيار ميقاتي بترشيحٍ عضوٍ من حصّته.
مع ذلك، لم يصدر حتّى الآن عن التيار الأزرق بعد أي إشارة رسميّة داعمة لقمر الدين، بانتظار ما ستؤول إليه المناوشات الخلافية بين أعضاء المجلس في الأسابيع المقبلة. كذلك الرئيس ميقاتي، الذي أعرب عن دعمه لترشيح عويضة في حال حُجبت الثقة عن قمر الدين، لم يكشف بعد جميع أوراقه لهذه المعركة البلدية، ولم يُعرب عن حماسته لها. وهو لا يزال في مرحلة الاستماع لجميع الأطراف.
لكنّ الأكيد، أنّ هذا المجلس البلدي الذي من المفترض أن يواكب الانتخابات النيابية في العام 2022، لن تتعاطى القوى السياسة في المدينة مع مسألة طرح الثقة بخفّةٍ أبدًا، لأنّه سيكون ساحةَ دسمة لخوض المعركة النيابية، بمختلف أشكال "المشاريع" والتسويق الشعبي في آنٍ معًا.
أمّا سؤال عن "ماذا حقق وبماذا أخفق مجلس بلدية طرابلس في النصف الأول من عهده؟"، فستجيب عنه "المدن" في تحقيقٍ لاحق.