أكد السفير الفرنسي برونو فوشيه ان التحديات التي تواجهنا كلنا اليوم، على الصعيدين الداخلي والدولي، تزايدت خلال العام المنصرم، لافتا الى أن قيم الانفتاح والاستقبال، التي تتميز بها مبدئيا الديمقراطيات دون سواها، تصطدم اليوم بالنزعة المتنامية نحو التقوقع على الذات.
واشار بمناسبة العيد الوطني الفرنسي في قصر الصنوبر الى ان هذه القيم تتعرض للحط من شأنها من جانب الشعبويين من كافة المذاهب والمشارب، الذين يريدون أن يقنعوا الشعوب بأنه من الممكن أن يدافع المرء عن مصالحه من دون مراعاة مصالح الآخرين.
ورأى ان “السلام والاستقرار الدوليان، فهما عرضة للتهديد المستمر. وهذا الأمر يعرفه جيدا الشرق الأوسط بما أنه شهد، ولا يزال، العديد من النزاعات. والواقع أن الأمر الوحيد الذي من الممكن أن يمنع الانزلاق المميت نحو دوامة لا نهاية لها هو العودة إلى الحوار وممارسة ضبط النفس. والرئيس ماكرون سيستضيف، من هذا المنظار نفسه، منتدى باريس للسلام، في دورته الثانية، في الخريف المقبل، من أجل التفكير معا، ومع المجتمع المدني بحلول عملية لنتمكن جميعا من مواصلة العيش معا”.
وشدد على ان “لبنان تمكن من الحفاظ على وحدته واستقراره وانفتاحه على العالم. وهذا ليس بالأمر اليسير. وحده احترام سياسة النأي بالنفس يتيح للبنان البقاء بمنأى عن النزاعات، لا سيما النزاع المتأجج منذ أكثر من ثماني سنوات في سوريا المجاورة”.
على الصعيدين الإنساني والاجتماعي، قال: “لقد استقبل لبنان، بسخاء كبير وبدعم دولي مؤكد، عددا كبيرا جدا من اللاجئين السوريين الذين هربوا من الحرب وأعمال العنف. هم بغالبيتهم يودون العودة إلى بلادهم ويجب ألا يتم ثنيهم عن ذلك. غير أن الأكثرية العظمى منهم لا تفكر بهذه العودة على المدى القريب. لماذا؟ لأنها تخشى، بكل بساطة، ألا يكون أمنها مضمونا في سوريا. إن فرنسا، والدول الأخرى التي تدعم لبنان لمواجهة هذه الأزمة، ترغب هي أيضا في أن يتمكن اللاجئون السوريون من العودة إلى بلادهم. لكننا نعتقد أن مفتاح هذه العودة موجود في دمشق. غير أن دمشق لم تبد في العام الفائت رغبة حقيقية بتسهيل هذا الأمر. أنا لا أخفي عنكم قلقي، وهو أيضا قلق الأسرة الدولية، إزاء خطابات الكراهية والرفض التي تتزايد ضد اللاجئين. فإن أحدا لم يحل أية مشكلة، مهما كانت حساسة، بإذكاء العنف وتأجيج الانقسامات. لبنان يتشرف إذ يجسد الانفتاح. والمجتمع الدولي سيبقى بجانبه، كلما اقتضت الحاجة، لمساعدته على مواصلة مواجهة هذا الوضع الذي يجب ألا يدوم إلى الأبد”.
على الصعيد السياسي، قال: “لقد شكل لبنان، في أواخر شهر كانون الثاني الماضي، حكومة سرعان ما انطلقت “إلى العمل”، وهي التسمية التي أطلقتها هي على نفسها، من أجل التعويض عن الأشهر الضائعة في العام 2018. وتم اعتماد أو الشروع باتخاذ أولى التدابير الهامة في مجال الإصلاح، لا سيما في قطاع الكهرباء. كما وأنه من المتوقع أن يتم التصويت قريبا في مجلس النواب على موازنة العام 2019، التي تلحظ تخفيضا لعجز الموازنة وتعكس مسار الإنفاق العام. نحن نأمل أن يتم وضع هذه الموازنة موضع التنفيذ فعلى هذا الأمر تتوقف قدرة لبنان على سلوك طريق النمو مجددا والتصدي لآفة الدين التي تثقل كاهل الأجيال المقبلة. ومن المتوقع أن تبدأ قريبا المناقشات المتعلقة بصياغة موازنة العام 2020. نحن نأمل أن تشكل فرصة للتقدم أكثر بكثير على طريق تنفيذ الخطوات الإصلاحية، التي ينتظرها جميع اللبنانيين”.
وشدد على ان الإصلاحات هي الطريق الوحيد الذي يجب السير فيه لكي يتطلع لبنان بكل ثقة نحو المستقبل والتنمية والحداثة والفعالية، ويبعد نهائيا شبح الأزمة الاقتصادية، التي كثيرا ما أثارت المخاوف، وكثيرا أيضا ما تم تجنبها بأعجوبة.
وتابع: “إن شركاء لبنان، ولا سيما فرنسا، الذين اجتمعوا في باريس في شهر نيسان الماضي في إطار مؤتمر “سيدر”، عبروا أبلغ تعبير عن الدعم الذين هم مستعدون لتقديمه للبنان من أجل مواكبته في طريق الإصلاح. ومقاربة مؤتمر “سيدر” تقوم على الشراكة بين لبنان والمجتمع الدولي. هي شراكة تظللها النوايا الطيبة ولكنها أيضا شراكة متطلبة. فمن أجل وضعها موضع التنفيذ، من الضروري أن تسود أقصى درجات الثقة بين الطرفين. غير أن هذه الثقة لا تتغذى إلا بالإجراءات الملموسة وبالأعمال التي تنم عن تصميم لا يتزعزع. إن الوضع الاقتصادي الحالي، الذي هو وضع صعب، يتطلب خطوات حاسمة من جانب لبنان للتصدي فورا، ومن دون أي انتظار، للمشاكل القديمة والعميقة التي يعاني منها هذا الاقتصاد.”
في المجال الأمني، قال: “لفرنسا طموحات عالية من أجل لبنان فتلعب قوات الأمن اللبنانية دورا أساسيا للحفاظ على استقرار البلد وللتأكيد على سيادته واستقلاله. قدمت فرنسا في روما عرضا لفتح خط ائتماني بقيمة 400 مليون يورو. الهدف منه هو إنشاء قوة بحرية لبنانية حقيقية قادرة على قيادة ما نسميه عمل الدولة في البحر، وبشكل خاص في المنطقة الاقتصادية الخالصة، التي تحتوي على ثروات لم يتم اكتشافها بعد”، داعيا إلى “وضع اللمسات الأخيرة سريعا على هذا المشروع، الذي يندرج في إطار شراكة قديمة العهد وقائمة على تبادلات متواصلة وعلى تعاون كثيف، على صورة التمرين البحري “الأرزة الزرقاء” الذي نفذ مؤخرا بمشاركة ناقلة المروحيات الفرنسية “Dixmude” والفرقاطة “Guépratte” و1200 عسكري لبناني وفرنسي. في الأمس، رست فرقاطة “Aconit” في مرفأ بيروت. إنها المرة الثامنة والعشرين، منذ 2015، التي تصل فيها سفينة فرنسية إلى لبنان. إنني أحيي وجود عناصر طاقمها وقائدها بيننا هذا المساء”.
وأكد أنه “في هذه الأزمنة الدقيقة، على المستويين الاقتصادي والإقليمي، يمكن للبنان الاعتماد على فرنسا. فرنسا هي أيضا تعتمد على لبنان من أجل قيادة المشاريع التي تم إطلاقها معا نحو بر الأمان. علاقتنا الوطيدة والحميمة، إنما تشكل عنصر استقرار وتنمية لا يقدر بأي ثمن”.
أخبار متعلقة :