فعلت ذلك رغم ألم داخلي يعتصرها لمعرفتها أنها ربما تحرم غيرها من الدواء، لكن غريزة البقاء أقوى. فهي تعلم أيضاً أن راتبها المتواضع لن يغطي ثمن ما تحتاجه من الأدوية في حال انقطاعها أو رفع الدعم عنها.
لكن يظهر أن ما ينتشر من أخبار يترافق دائماً مع انقطاع في أدوية معينة لنحو أسبوع قبل أن يعاد إلى الصيدليات بأسعار مرتفعة قليلاً. وهذا يعني أن سوق الدواء كما سواه في لبنان خاضع للإحتكار. تماماً كما يذل اللبنانيون يومياً للحصول على المازوت أو البنزين في أكثر من منطقة خاصة في جنوب لبنان ولأسباب معروفة، أو المواد الغذائية وأطعمة الأطفال.
منذ سنوات، لم تتوقف آراء الإقتصاديين عن تناول ظاهرة الإحتكار في لبنان، وأيضاً لم تتوقف تصريحات كل وزراء الإقتصاد وجمعية حماية المستهلك عن التنديد بالإحتكار وإطلاق الوعود بحماية المستهلك اللبناني.
لكن الواقع الإحتكاري أو "الوكالات الحصرية" في لبنان لم يزل على حاله، وهو في ظل الأزمة القاسية حالياً، يزداد انتفاخاً واضعاً مئات آلاف العائلات تحت رحمة بضع عائلات محتكرة تتحكم بمصيرهم المعيشي وحتى بقائهم على قيد الحياة.
وأظهرت بيانات دراسة قامت بها وزارة الإقتصاد أن 7 شركات من أصل 7402 شركة تسيطر على 60% من الإقتصاد اللبناني، وتتسم ثلثي الأسواق اللبنانية بطابع إحتكاري، ومنها شركات المحروقات. وكذلك الأمر بالنسبة لسوق الدواء حيث بينت الدراسة أن 5 شركات فقط تسيطر على الحصة الأكبر من هذه السوق.
لماذا لم ولا تقف الحكومة في وجه هؤلاء؟ يشير واقع الحياة السياسية في لبنان إلى أن زعماء السلطة في معظمهم، إما شركاء صريحين في عملية الإحتكار عبر مؤسسات تابعة لهم، أو شركاء بالحصة والتسهيلات الضريبية لشركات بعينها لقاء مقابل يحصلون عليه مالياً وعبر توظيف المحسوبين عليهم.
وهذا يعني أن تحرير اللبناني من سيف الإحتكار، يستلزم معركة لا يمكن أن يقودها المحتكر ضد نفسه، اللهم إلا إن خرج علينا بعض من أصحاب الكفاءة والنزاهة في السلطة ليقودوا هذه المعركة المصيرية ضد المفسدين الذين لا يفرقون بين مسلم ومسيحي أو بين منطقة وأخرى.
وإلا فإننا مجبرون كشعب منقسم إلى شعوب على كيّ وعيه الطائفي، لأن لا مناص إلا بذلك، إذا أردنا خوض معركة حقوقنا الأساسية بالغذاء والدواء، وربما تكون الخطوة الأولى حينها.. مقاطعة بضائع من ينهشون أرواحنا ويمتصون دماءنا.
أخبار متعلقة :