نبض لبنان

الضاحية تنتفض... الخلافات تزداد بين الحركة وحزب الله والسبب باسيل

كتب نادر فوز في "المركزية" للمرة الأولى منذ انطلاق موجة الثورة والاحتجاج في 17 تشرين الأول 2019، تُقطع طرق في الضاحية الجنوبية لبيروت ومحيطها. أشهر تسعة من الانتظار، لتخرج الضاحية، برغم صحّتها المعتلة، لتطالب بالأكل والشرب والكهرباء. أبسط الحقوق الإنسانية.

في هذه المنطقة عشرات الآلاف أحوالهم تعبت وانحدرت بفعل الأزمة الاقتصادية والمالية وتبعاتها. كانت أوضاعهم سيئّة أساساً، وساءت أكثر، كحال اللبنانيين في سائر المناطق الأخرى. خزّان بشري ضخم على تخوم بيروت، لم ينتفض ولم يحتجّ. احتّج لساعات مع انطلاق الثورة، وخمد. عضّ على الجراح وآلامها، سكت وانصاع إلى خطابات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. متآمرون، مدفوعون من الخارج، مموّلون من سفارات، أنصار فتنة وقطع طرق، هدفهم الحزب وسلاحه. وسمع الجمهور هذه الاتهّامات وانساق وراءها. فبطش قسم منهم بالمحتجّين في بيروت والجنوب والبقاع.

القائد يعرف
لكن الأحوال ساءت أكثر اليوم. فقدت الليرة قيمتها، اختفى الدولار، توقّفت الوظائف، شلّت الخدمات، انقطعت الكهرباء، والجوع طرق الأبواب. حتى المؤسسات الاجتماعية الحزبية تتعامل مع الأزمة من دون اعتبارات خاصة. "ازرعوا لتأكلوا"، قال القائد. يعرف الجمهور، ونعرف جميعاً، أنها دعوة تؤكد الفشل وانتفاء الحلول. لم يعد الهمّ إنقاذ البلد ومؤسساته وأمواله، وإصلاح ما دمّرته الطبقة السياسية وفاسدوها ومقاولوها ورجال أعمالها. الهمّ هو إطعام الجياع. وحتى في هذا لا تعويل على الدولة، بل على الذات. القائد يعرف ذلك. إلا أنه يملك عصا سحرية تضبط كل شيء. بها يسيطر على المزاج العام وخطابه، يطعن بالجوع ويشكّك بالفقر. يضبط الاحتجاجات ويمسك نفسَها.

الصراط السياسي
في احتجاجات يومي الخميس والجمعة 16 و17 تموز، يؤكد متابعو الواقع الميداني في الضاحية الجنوبية أنّ الناس يئست وملّت وجاعت. على الجناح، والأوزاعي، وأوتوستراد هادي نصر الله، وأوتوستراد المطار وطريقه القديم، قطعت الطرق. أشعلت في بعضها الإطارات، ومستوعبات النفايات في بعضها الآخر. صبية يغنّون للكهرباء، "خلصنا بقا"، "تعبنا"، "يحلّوا عنا"، "لنعلّق المشانق"، "لنضعهم تحت الصرماية". وسأل آخر "وين كهرباء باسيل"؟ وأمام مشهد قطع الطرق، تذكير بما سبق وقاله نصر الله، عن إن قطعها مشروع فتنة. وما قاله عن جدوى الشتم غير النافع. لذا يسهل قنص هؤلاء معنوياً وسريعاً. أشبه بخارجين على الصراط السياسية والأخلاقية، "خوارج" سقطوا حتى قبل أن ينطلقوا إلى المعركة.

رسالة الحركة
ويؤكد المطلّعون على تحركات اليومين الماضيين أنّ مناصرين لحركة أمل شكّلوا عصباً فعلياً بين المحتجّين. كانوا قلّة طبعاً، إلا أنّ المحتجّين قليلون أيضاً. رسالة من بين رسائل عدة، يراد إيصالها، في التصويب على العهد وحكومته. وجع الناس مؤكد، ظلّ مكبوتاً لأشهر، الوجع يتحوّل مجدداً ثمرة سياسية جاهزة للقطف. تماماً كما حصل في حالات سابقة، من خلال مسيرات دراجات نارية إلى السرايا الحكومية، إلى وسط بيروت، إلى المصرف المركزي. بحجة صرف الدولار وانقطاع ضخّه في السوق، فتم توجيه الرسائل المطلوبة قبل أسابيع. وبحجة الكهرباء والجوع، يتم توجيه رسالة أخرى اليوم. لما لا طالما أنّ الحكومة وفشلها مادة أساسية صالحة للابتزاز اليومي؟ رسالة سياسية، توجّهها حركة أمل. فالتصويب على العهد وحكومته، تصويب على راعيهما الأول والأكبر، حزب الله.

تباين واختلاف
بين حزب الله وحركة أمل تحالف وتفاهم وجوديان. لكن بينهما صدام وجودي أيضاً. وواقع كباش يومي مهما توحّدت الروح الواحدة في الجسدين التنظيميين. بينهما خلاف طبيعي على الحكومة الحالية، شكلها ودورها وتمثيلها. تصوّب الحركة على الفشل والعجز الحكوميين، وعلى إدارة الحكومة. فيردّ الحزب بالإشارة إلى الفساد والهدر. وبينهما تباين حول الموقف من الرئيس سعد الحريري، تتمسّك الحركة به كممثل لطائفته ويرى فيه الحزب أداةً خارجية متخاذل أسقط التفاهمات والحكومة. ومعركة أخرى حول العلاقة مع العهد ورجله الأول النائب جبران باسيل. يسلّف الحزب باسيل، فيمتعض الرئيس نبيه بري. حتى أنّ عدداً من المحيطين بالأخير يصفون "التسليف" كما لو أنّ الحزب يضع المال والخدمات في سلّة باسيل، وهي سلّة مثقوبة. أو بلغة الواقع المعاش، فلنقل إنّ الحزب يمثّل المودعين وباسيل هو المصارف. يعرف بري ذلك، والجميع يعرف ذلك، حتى القائد يعرف ذلك.

الكباش الوجودي
بين الطرفين أيضاً خلاف ناجم عن الضغوط الخارجية والعقوبات والحصار المرتقب، وموقف "الحياد" الذي عاد إلى سطح المشهد السياسي. ولو أنّ الرئيس بري أكد في مجالسه رفضه المطلق لـ"الحياد" مشيراً إلى إسرائيل واستحالة الوقوف على الحياد في ظلّ ممارستها، إلا أنه يدعم "النأي بالنفس". والصيغة الأخيرة لا تلائم حزب الله طبعاً. كباش جدي جديد، على الثنائي اللعب حوله من جديد لضمان استمرارية التحالف ومفهوم الثنائي وقوّته. وكذلك الحال بالنسبة لعودة طرق أبواب الدول العربية، من العنوان السعودي، بحثاً عن غطاء أو مساعدات. سارع الرئيس بري الأسبوع الماضي إلى تبنّي الخطوة ودعمها، أما حليفه وتوأم روحه فيهتف "الموت لآل سعود". كباش وجودي آخر.
بين حزب الله وحركة أمل، كباش سياسي دائم وآخر وجودي. وبلغ التباين قبل أيام حدّ عقد لقاء تنظيمي بين الطرفين لضبط الخلافات الناشئة بين الجمهورين في الفضاء الإلكتروني. ثمة اشتباك مستمر على وسائل التواصل الاجتماعي، وآخر ميداني يعرف العالمون به في الأحياء والمناطق. لكن لا يعني كل ما سبق أنّ ثنائي حزب الله - حركة أمل قادم إلى التفكّك. والرهان على ذلك، رهان قاتل وفاشل، سبقت قوى 14 آذار الجميع إليه. لكن التباين والاختلاف والخلاف والكباش، يتيح أمام بيئة الثنائي مساحةً، بإمكان أهل هذه البيئة استخدامه كمتنفّس. عسى هذه البيئة لا تبقى عالقةً في الوسط، علّها تعبّر عن نفسها، عن عضبها وسوء أحوالها. 

أخبار متعلقة :