ضغط على الأفران وطوابير من المواطنين تطلب الرغيف، فيما أسعار السلع والمواد الغذائية تحلق دون حسيب أو رقيب، والمنصة الإلكترونية تسعر الدولار بثلاثة آلاف وتسعمائة ليرة، غير أنه بسبعة آلاف وأكثر في السوق السوداء.
وعلى وقع مناورات الاحتلال الاسرائيلي عسكريا خلف الخط الأزرق، وعلى مدى أسبوع، أعربت فرنسا عن قلقها من مجمل الوضع اللبناني، وأجرت محادثات مع الولايات المتحدة الأميركية لإعادة الإستقرار إلى لبنان، غير أن أي تفاهم لم يحصل.
وبينما تتواصل المشاورات اللبنانية مع صندوق النقد الدولي، تبقى مسألة الإصلاحات متحكمة بالنتائج.
كل هذا يحصل في لبنان، لكن ما حصل من خبر كبير يعرض العلاقات اللبنانية- الأميركية، هو قرار لقاض اندفع ليدافع عن بلده لكنه ضرب الحريات والعلاقات الديبلوماسية.
مقدمة نشرة أخبار تلفزيون "أن بي أن"
الطرقات سالكة اليوم، ولاسيما طريق الجنوب، بقوة قرار حازم للجيش اللبناني، لكن الطريق الاقتصادي والمالي والمعيشي على درجة عالية من التعثر، وربما يكون الآتي أعظم فيرقى إلى مرتبة الخوف على الأمن الغذائي للبنانيين.
وليس أدل على هذا من كلام وليد جنبلاط أمام مشايخ دروز: حياة الرفاهية انتهت، سنعود إلى أيام أجدادنا، الحياة ستكون قاسية، الليرة ما في شي بيهديها، الكهرباء ستنقطع وكذلك المازوت..
تدحرج كرة الأزمة، ولاسيما في شقها الاقتصادي والمالي والمعيشي، يتسارع بقوة دفع من دولار متفلت، فهل تلجم اندفاعته منصة تسعير إلكترونية يشرف عليها مصرف لبنان؟، وهل تنجح تجربة توسيع سلة المواد الأساسية المدعومة في الامتحان اعتبارا من الأسبوع المقبل؟، وخصوصا بعدما دفعت الأزمة محلات تجارية واستهلاكية وصيدليات إلى إقفال أبوابها والحبل على الجرار؟.
الأفران هي الأخرى لم تكن على أحسن حال، فبعضها أقفلت أبوابها، وبعضها الآخر امتنعت عن تسليم الخبز إلى المحلات، فتهافت المواطنون لشرائه وقد ارتفع سعره لدى كثيرين.
على إيقاع هذه المواجع، تكثفت رسائل الضغط الأميركية على لبنان، وخصوصا عبر إطلالات متكررة للسفيرة دوروثي شيا، الأمر الذي دفع قاضي الأمور المستعجلة في صور محمد مازح، إلى إصدار قرار يمنع بموجبه السفيرة الأميركية من الإدلاء بتصريحات إعلامية، ومنع أي وسيلة إعلامية لبنانية من أخذ تصريح لها في هذا الإطار.
ولاحقا كسرت السفيرة الأميركية القرار القضائي بحقها، عبر قناة MTV، حيث كشفت أنها تلقت اعتذارا من الحكومة اللبنانية عن قرار القاضي مازح.
مقدمة نشرة أخبار تلفزيون "المنار"
إنها الحرب الأميركية على اللبنانيين، وإن حاولت الناطقة باسمها دوروثي شيا تبريرها كل يوم باطلالات غير ديبلوماسية.
حرب التجويع والإفقار واستعادة طوابير الناس أمام البنوك ومحطات المحروقات والأفران، ثم تتباهى المندوبة السامية الأميركية بأن بلادها تدعم اللبنانيين بحفنة من الدولارات، فيما اثبتت التحقيقات أنها صادقة بعض الشيء، فدعمها المباشر أو عبر حلفائها لبعض الجماعات، تمثل بشبكات التخريب وتفتيت للبلاد والنفخ في أبواق الفتنة إلى حد الانفلات، وما كشفه وزير الداخلية محمد فهمي ل"المنار" عن شبكات أثبت تمويلها من أجهزة استخباراتية خارجية، هي ضمن السياق ذاته.
وللذين لا يفهمون من شيا إلا ادعاءها المساعدة للبنان، فهل الدولارات التي تعطيها لحلفاء لها سرقوها أو أهدروها، تقاس مع تلك التي تعطيها للاسرائيليين لقتل اللبنانيين والفلسطينيين بالسلاح والمال الأميركيين؟.
وإن كانت تدعي المساعدة، فلما ترفض بلادها المساهمة بحل أزمة الكهرباء أو النقل أو الأنفاق أو النفايات، بل وتمنع عن اللبنانيين أي مساعدة أو مقترح حل من دول أخرى؟، ولما هذه الاستفاقة اليومية للدفاع عن صورة بلادها، كلما مشى اللبنانييون خطوة جدية للحل من خارج الدائرة الأميركية؟.
وللأمانة فإن لشيا حلفاء مخلصون إن بالهدف أو النتيجة التي تريدها، قاصدون كانوا أم غير قاصدين، يعملون إلى تجويع شعبهم واستغلال وجعه وضعفه وضيق حاله، فأصابوه اليوم برغيف الخبز. تجار وأصحاب أفران ومرابون، لم يبدوا استعدادا لتحمل بعض النقص في الأرباح، حتما لا بالأصول، إلى أن يخرج البلد وأهله من عنق الزجاجة.
فطوابير الإذلال حطت اليوم أمام الأفران التي رفض أصحابها تسليم الخبز للموزعين، وحصروا بيعها في صالات عرضهم، ما عرض البلاد لخضة جديدة، سارع معها رئيس الحكومة إلى الإيعاز لوزير الاقتصاد والمدير العام للأمن العام بالتحرك للحفاظ على ما تبقى من الأمن المعيشي للمواطن. فحمى الله لبنان من بعض أهله، كما من حلفائه الأعداء.
مقدمة نشرة أخبار تلفزيون "أو تي في"
يا ليت تهافت بعض السياسيين اللبنانيين على إدانة قرار قاضي الأمور المستعجلة في صور، كان تهافتا على إيجاد الحلول للأزمات الكبيرة التي تعصف بالبلاد جراء أفعالهم هم، على مدى ثلاثين سنة على الأقل، أي منذ رسا التفاهم الإقليمي والدولي على وضع لبنان تحت الوصاية، وتسليم الحكم فيه إلى منظومة محورها أمراء الحرب وممولوهم، وعلى هامشها باحثون عن أدوار وأضواء، ورجال مال وأعمال، وإعلاميون، فضلا عن فاعلين على مواقع التواصل، وفق الرائج اليوم.
يا ليت تهافت كل هؤلاء على إدانة قرار قضائي، الموقف الرسمي منه معروف وجوهره التزام بالمعاهدات الدولية، يا ليته كان تهافتا على دعم الإصلاح، وتأييد محاربة الفساد، إلى جانب توحيد الموقف الوطني، حكما ومعارضة، لمواجهة المأساة.
القرار القضائي فاجأ الجميع. صحيح. أما رد فعل البعض، فلم يفاجئ أحدا، فأصحابه سارعوا إلى تحويل قضية، تؤكد معلومات الـ OTV أنها عولجت ضمن الأطر المناسبة، وبناء على تأكيد التزام لبنان معاهدة فيينا التي أقرت عام 1961، سارعوا إلى تحويلها عنوانا من عناوين تجارتهم السياسية، فأغرقوا مواقع التواصل ووسائل الإعلام بالتصريحات المستنكرة والتغريدات المستهجنة، فيما لا يسمع لهم صوت عادة، ازاء التعرض لمكون لبناني أساسي، وللتدخل في شؤون لبنان الداخلية.
مشكلة لبنان، أيها اللبنانيون، هي في أداء بعض الداخل، قبل تدخلات معظم الخارج. فبعض الداخل هو من يشارك في الفساد ويغطيه ويحمي أركانه. وبعض الداخل هو من يستجلب التدخلات الخارجية من كل حدب وصوب، وبعض الداخل هو من جعل لبنان رهن إشارة صندوق من هنا، أو مساعدة دولية من هناك، مترقبا تصريح سفير، أو كلام وزير خارجية، لمحاولة استشفاف المصير.
أيها اللبنانيون، مرة أخرى، لا تضيعوا البوصلة. فمن أوصل البلاد إلى ما هي فيه معروف: من تنصلهم ومن ارتكاباتهم تعرفونهم واحدا واحدا، بالاسم والتاريخ وسجل الارتكابات.
في لبنان أزمة متعددة الرؤوس، وكل رأس من رؤوسها متعدد الفروع. أما الحل، فواحد، فالمدخل إليه محدد، لمن يهمه الأمر. الحل يبدأ بالتمييز بين سوق عكاظ بعض السياسيين، والسوق السوداء التي خربت البلاد في موضوع الدولار وغير الدولار.
وإذا كانت آخر تجليات سوق العكاظ السياسي، التسابق على هجاء القرار القضائي المفاجئ، فتجليات السوق السوداء يومية، آخر تداعياتها اليوم أزمة متجددة حول سعر الرغيف، وقبلها ومعها وبعدها، عشرات الأزمات المتوالدة، التي تتطلب أكثر من هجاء واستنكار واستهجان من المسؤولين المباشرين، وصمتا مطبقا على الأقل، إن لم تكن المحاسبة متاحة راهنا، من قبل مرتكبيها المجرمين المعروفين.
مقدمة نشرة أخبار تلفزيون "أم تي في"
هل تحول لبنان جمهورية العجائب والغرائب؟، وهل أصبحنا نعيش في دولة يحكمها قانون الغاب، ويتحكم في بعض قراراتها القضائية جهلة بالقانون؟.
للوهلة الاولى قد يبدو السؤالان قاسيين، لكنهما بعد القرار القضائي الذي أصدره قاضي الأمور المستعجلة في صور محمد مازح، يصبحان مبررين. فمازح تنطح وتدخل بما لا يعنيه، فمنع أي وسيلة إعلامية لبنانية من إجراء أي مقابلة مع السفيرة الأميركية ولمدة سنة كاملة. فمن أعطى الحق لمازح أن يتدخل في شأن سياسي- ديبلوماسي بين الدول؟، ألا يدرك هذا "العالم بالقانون" أنه بذلك يخرق اتفاقية فيينا التي منحت البعثات الديبلوماسية حقوقا لتمكين الديبلوماسيين من اداء وظيفتهم بلا خوف أو إكراه أو مضايقات؟، وألا يدرك هذا "المرجع القانوني" أيضا أن المعاهدات أسمى وأقوى من القانون الذي يستند إليه، زورا وبهتانا، لمعاقبة السفيرة الاميركية؟، فمن نصب قاضي الأمور المستعجلة وزير خارجية ووزير داخلية ووزير إعلام في آن معا؟، وكيف سمح مازح لنفسه أن يرفع لواء الأحكام العرفية على الإعلام؟. وهل، بعرف مازح، أصبح القاضي، شرطيا على الصحافة وميزان العدالة سيفا مصلتا على الصحافيين؟.
لا يا "ريس" مازح. إن ما قمت به لا يصدق. ومع أننا نحترم القضاء، ومع أننا كنا وسنبقى تحت سقف القانون، فإننا نقول لك بكل صراحة ووضوح: ال "أم تي في" لن تنفذ حكمك، لأنه، وببساطة، مخالف للقانون. لذلك كنا أول من كسر قرارك، وأول من استصرح السفيرة الأميركية بعد حكمك المستهجن. إن زمن الأحكام العرفية ولى، والدولة القمعية البوليسية، التي تحلم، أنت وأمثالك، بعودتها لن تعود. كما أن الأجواء الحزبية المعروفة التي تستلهم منها قراراتك وأحكامك، لا تعبر لا عن مزاج الشعب اللبناني، ولا عن تطلعاته. نحن شعب يعشق الحرية ويحترم القانون الدولي، ولم يترب على الفكرالشمولي.
لذلك وللمرة الثانية، نقول لك: لن ننفذ حكمك فافعل ما شئت، وسنطعن به كل يوم وكل ساعة أمام محكمة الرأي العام. يبقى سؤال أخير: هل عندما أصدرت حكمك التاريخي المستعجل، كنت تستلهم حقا الشعب اللبناني لتصدر حكما باسمه، أم تستلهم مراجع حزبية لا تؤمن لا بمرجعية الدولة ولا بقدسية القانون والدستور؟.
"ريس مازح" مزحتك اليوم جاءت ثقيلة، فلم تضحك الناس بل أبكتها على العدالة في لبنان. فاعترف بخطأك، وتراجع عما فعلت، حفاظا على ما تبقى من هيبة وقدسية للقضاء في لبنان.
مقدمة نشرة أخبار تلفزيون "أل بي سي آي"
نحن فعلا في زمن تاريخي، سواء بأحداثه أم بأسمائه أم بقراراته. وحين نكون في زمن تاريخي، فالأسماء تصبح تاريخية والأحداث تصبح تاريخية.
اليوم ثلاثة أسماء دخلت التاريخ: الإسم الأول: السيدة فاتن علي قصير، الإسم الثاني: القاضي محمد مازح، الإسم الثالث: دوروثي شيا.
السيدة فاتن علي قصير لأنها تقدمت باستدعاء عبر البريد الإلكتروني لمحكمة صور للقضايا المستعجلة.
القاضي محمد مازح لأنه قرر البت بالإستدعاء، على رغم أنه ورد يوم عطلة رسمية، لكن بالنظر إلى خطورة الموضوع، قرر البت فيه. وفي تعليل القرار أن حديث السفيرة شكل تعديا على حقوق المستدعية، السيدة فاتن علي قصير.
الإسم الثالث الذي دخل التاريخ هو السفيرة الأميركية دوروثي شيا، لأن القرار طاولها وقضى بإلزامها بالامتناع عن الأحاديث المسيئة للشعب اللبناني، ومنع أي وسيلة إعلامية من إجراء أي مقابلة معها لمدة سنة.
هنا نفتح مزدوجين لنسأل: من هي السيدة فاتن علي قصير التي تقدمت بالاستدعاء عبر البريد الإلكتروني لمحكمة صور؟. إذا كان اليوم هو عطلة رسمية، فما هو وجه الخطورة الذي دفع القاضي إلى البت بالموضوع في يوم عطلة رسمية؟، كيف يتم تحديد "الأحاديث المسيئة للشعب اللبناني"؟، ومن يحددها؟، وما هي المعايير؟، هل يكفي أن تعتبرها السيدة فاتن علي قصير مسيئة لتصبح مسيئة؟، لماذا منع إجراء أي مقابلة مع السفيرة هو لمدة سنة فقط؟، لماذا ليس أكثر أو أقل؟.
أبعد من هذا القرار التاريخي واستهدافاته التاريخية، هل يدخل اتخاذ موقف من تصريح السفيرة الأميركية من ضمن صلاحيات قضاء العجلة؟. هل في تاريخ القضاء اللبناني، المستعجل منه والبطيء، أي قرار مشابه؟، هل القرار ينحصر بالسفيرة الأميركية أم بكل السلك الديبلوماسي العامل في لبنان؟. هل يكفي أن ترسل مواطنة لبنانية رسالة بالبريد الالكتروني إلى أي محكمة، حتى في يوم عطلة رسمية، ليتحرك القضاء؟. إذا كان الأمر كذلك، فيا حضرة قضاء العجلة "لحق على رسائل إلكترونية من يوم ورايح"؟.
هل القرار تجاوز لصلاحيات وزارة الخارجية: باستدعاء السفيرة، بتوجيه احتجاج لها، بطردها؟. كلمة "هزلت" لم تعد تكفي. هل نحن في بلد؟، هل نحن في دولة قانون؟.
إسمحوا لنا: هذا ليس بلدا، هذه ليست دولة قانون! أزعجكم تصريح لسفيرة؟، هناك طرق مراجعة: يستدعيها وزير الخارجية، يوجه لها احتجاجا، يطردها، يطالب دولتها بتعيين سفير أو سفيرة بديلا منها، أما أن يمنعها من الكلام، ويحدد لها مدة المنع، فما هو المصطلح الذي ينطبق على هذا التصرف؟، هل تكفي كلمة هرطقة؟.
وليكتمل "النقل بالزعرور"، يتضمن القرار منع أي وسيلة إعلامية من إجراء أي مقابلة مع السفيرة تحت طائلة وقف الوسيلة عن العمل وإلزامها دفع غرامة مالية، وبالدولار الأميركي، ولم يعرف على أي سعر: سعر مصرف لبنان أو سعر المنصة أو سعر الصيارفة أو سعر السوق السوداء؟.
أظرف ما في هذا القرار انه يستهل بجملة: "باسم الشعب اللبناني"! فهل هذا ما يريده الشعب اللبناني؟.
فعلا هزلت، لكن هذا القرار لن يمر، لا قضائيا ولا إعلاميا، والمطلوب أوسع حملة استنكار للإستخفاف بالعقول واستنباط قرارات غب الطلب. طليعة الإستنكارات جاءت من "المؤسسة اللبنانية للارسال انترناشيونال" التي رأت أن قرار القاضي تدخلا في قدسية وحرية العمل الاعلامي التي يصونها الدستور اللبناني والقوانين المرعية الإجراء، وترى فيه أيضا قرارا غير ملزم وغير نافذ، وبالتالي ستتقدم بطعن بوجهه، أمام السلطات القضائية المختصة.
فلا قضاء العجلة ولا القضاء البطيء قادر على المس بالحريات الإعلامية، وإذا كانت هناك تصفية حسابات سياسية، وارتضى بعض القضاء أن يكون جزءا منها، فإن الحريات الإعلامية ليست جزءا من هذه التصفيات ولا هي مكسر عصا: هذا القرار، قرار القاضي مازح، مسيئ للبنان، لحرية اعلامه، لقضائه، لصورته لدى المجتمع الدولي، ولعلاقته مع الدول، #الحرية_الاعلامية... إما أن تكون وإما... أن تكون.
ومنذ بعض الوقت غردت السفارة الأميركية في لبنان فكتبت: نحن نؤمن بشدة بحرية التعبير والدور الهام الذي تلعبه وسائل الإعلام الحرة في الولايات المتحدة ولبنان. نقف مع الشعب اللبناني.
مقدمة نشرة أخبار تلفزيون "الجديد"
... والسفيرة قبل الخبز أحيانا. فبعدما كان الحدث مغلفا بأكياس طحين وبطوابير الناس أمام المخابز، أصبح داخل فرن أميركي، وذلك عقب قرار من قاضي الأمور المستعجلة سجل سابقة من نوعها في منع السفيرة دوروثي شيا من التصريح مدة عام كامل. لكن السابقة الأخطر، تلك التي شملت وسائل الإعلام اللبنانية والأجنبية العاملة على أراضينا، وحظرت عليها إجراء أي حديث أو مقابلة مع السفيرة الاميركية مدة سنة، تحت طائلة وقف الوسيلة الإعلامية المخالفة عن العمل مدة مماثلة، وتغريمها مائتي ألف دولار أميركي.
في قراره استند القاضي محمد مازح إلى استدعاء مقدم بتاريخ اليوم من سيدة لبنانية شاهدت مقابلة للسفيرة شيا على قناة "الحدث العربية"، وأدلت فيها بتصريحات مسيئة إلى الشعب اللبناني ومثيرة للفتن والعصبيات، ومن شأنها تأجيج الصراعات المذهبية، وتشكل خطرا على السلم الأهلي. وفي حيثيات اتخاذه القرار في يوم عطلة قضائية، برر مازح أن منصب السفير كائنا من كان لا يعطيه الحق وفق أحكام المعاهدات الدولية واتفاقية فيينا، في إثارة النعرات الطائفية.
ولحظ القرار أن شيا تناولت أحد الأحزاب اللبنانية التي لها تمثيل نيابي ووزاري وقاعدة شعبية لا يستهان بها، وحملته مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع في لبنان. ورأى مازح أن كلام شيا جاء ليسيء إلى مشاعر كثير من اللبنانيين، وليساهم في تأليبهم بعضهم على بعض وعلى الحزب المذكور.
كل ذلك قد يشكل سردا له خارج القانون أو داخله، لكن ما يعني الإعلام منه أن الحظر قد شمله بطرق عشوائية خطرة ومكلفة، وتأتي تحت الفصل السابع والتهديد بالإقفال ودفع الغرامات وبالدولار الأميركي، وهذا ما لا يمكن أن توافق عليه أي وسيلة إعلامية، لا بل عليها السير عكسه وكسر محرماته، لأننا إذا وافقنا اليوم على حظر مقابلة سفيرة من أي بلاد كانت، فسوف نضطر إلى الموافقة غدا على إجراء مماثل يرتب على الإعلام أن يبيع أخباره بالمزاد العلني وسوق النخاسة.
هي خطوة قضائية بقدر ما كانت مستعجلة جاءت متهورة، وأخذت في طريقها مؤسسات وإعلاميين وصحافة لم تعمل يوما بموجب قانون سيدة جلست خلف الشاشة ولم ترقها مقابلة تلفزيونية فقررت الادعاء العاجل. فالإعلام جسم حر له مرجعياته القانونية ويحتكم إلى قانون المطبوعات وقانون المرئي والمسموع، ولا يبطله قرار عجلة، وللقاضي المعني أن "يمازح" أحدا آخر حتى السفيرة الأميركية ضمنا. لكن الإعلام هنا ليس ضمنا ولا هو من الحواشي، وإذا كان سيربي السفراء بقرار من نوع العقوبات، فكان له أن يفعل ذلك خارج الحدود الإعلامية لا عبر سطورها.
أما فيما خص متن الشكوى، فلها من يدافع عنها بجهاز الدولة برمتها، إذ إن رئاسة الحكومة اعتذرت ووزارة الخارجية اعترضت ووزيرة الاعلام أكدت أنه لا يحق لأحد منع الإعلام من نقل الخبر ولا الحد من الحرية الإعلامية. ولم يبق سياسي لبناني سابق وحالي، مقيم أو مغترب، إلا وسجل موقفا استلحق فيه الإدانة. وجرى ضخ سيل من المواقف أظهرت أن السفيرة "عزيزة" على قلوب شريحة كبيرة من الزعماء والسياسين، لاسيما أولئك الذين أرادوا تسجيل نقطة أخرى سوداء في سجل حكومة حسان دياب.
وخارقة العقوبات عليها، وتحديا لقرار القاضي الصادر بحقها، كسرت السفيرة الأميركية قرار العجلة، وظهرت على الإعلام بتحد، وقالت إن السفارة لن تصمت. القرار لا يزال بدائيا وخاضعا للاستئناف، وربما يصنف في الخانة الاعتباطية، بحيث أن السفراء يخضعون لديبوماسية وزارة الخارجية التي عليها استدعاء أي سفير يخالف الأعراف والقوانين.
لكن في المقابل، فإن شيا تجرب اليوم معنى القوانين الخرقاء التي كانت بلادها أول من "علمنا" عليها واعتمدها نظاما على العالم أجمعين، فالقانون الأميركي في بعض فصوله كرس الولايات المتحدة دولة "كاوبوي"، بتحويله القضاء إلى محفل عالمي يحاكم ويحكم بتسويات مالية، وهذا قانون ما يسمى العدالة باسم الارهاب المعروف ب"جاستا" يخرق مبدأ السيادة والحصانة الدولية، إذ إن أي قاض أميركي فيدرالي محلي عادي يستطيع أن ينشر المحاكمة ويعاقب ويجمد أصولا على مستوى دول العالم.
أخبار متعلقة :