اعتبرت الهيئات الاقتصادية اللبنانية أن خطة الحكومة تتضمن مشاريعاً انقلابية على جوهر نظامنا الاقتصادي الحرّ، وتعمل الخطة بشكل مُتَعَمّد على تبرئة السياسيين والقطاع العام وإلصاق التهمّ بغير وجه حق بالقطاع الخاص.
وكانت الهيئات الاقتصادية قد عقدت اجتماعاً استثنائيا برئاسة رئيسها الوزير السابق محمد شقير وبمشاركة جميع الأعضاء في مقر غرفة بيروت وجبل لبنان، خصصته لدراسة ورقة الحكومة للانقاذ المالي، وأصدرت على أثره بياناً عبَّرت فيه عن موقفها من الخطة بكل وضوح وصراحة.
وقال البيان: “إن الهيئات الاقتصادية اللبنانية التي كانت على الدوام رأس حربة للدفاع عن الاقتصاد الوطني، عملت خلال الأيام الماضية وبعد اقرار الحكومة خطة الانقاذ المالي على دراسة هذه الخطة بشكل متأنٍ كي يأتي رأيها فيها علمياً وموضوعياً ويَصُبّ في مصلحة لبنان العليا.
وتُعَوِّل الهيئات على المجلس النيابي للحؤول دون إقرار التجاوزات التي تضمنتها الخطة والمبينة أدناه والتي تؤدي الى تدمير ما تبقى من إقتصاد.
وتعتبر ان انخراط لبنان في برنامج لصندوق النقد الدولي هو خطوة في الاتجاه الصحيح، وتأمل أن تؤدي الى ضخّ السيولة اللازمة في الاقتصاد الوطني.
كما لم تُستَشَر القوى الاقتصادية الحية، التي تمثل قطاعات اقتصادية تأسيسية، والتي تُلِمّ بشؤونها وشجونها منذ عشرات السنين، وعلى رأسها الهيئات الاقتصادية، التي لطالما لم تنفك عن إعطاء المشورة الصائبة والقيمة للدولة باستمرار، كما في موضوع سلسلة الرتب والرواتب.”
وتابع البيان: “كانت الهيئات الاقتصادية على الدوام في موقع المتلقي، وقد تفاجأت تباعاً بالنسخات المتتالية للخطة، والتي أُدخل على كل واحدة منها تعديلات جوهرية على التي سبقتها.
وتنتهز الخطة الانهيار المالي واليأس الاجتماعي للانقلاب على النظام الليبرالي وتغيير الهوية الاقتصادية للبنان على حين غفلة، مع العلم ان المنظومة السياسية هي التي فشلت، لا المنظومة الاقتصادية، مع الاقرار بضرورة تطوير الأخيرة، و تتخطى الخطة مبادئ دستورية راسخة، مثل الحقوق الشخصية والملكية الخاصة، كما تتخطى قوانين مُعَمِّرة وتخرق أخرى دون تعديلها، وبذلك فإنها تخلخل التركيبة القانونية التي حمت لبنان منذ ما قبل الاستقلال، وتضرب قواعد الاقتصاد الحر، وتُمَيّز بين اللبنانيين، وتسيء الظن بفئات اجتماعية كاملة، وتستبيح القطاع الخاص، مستهدفة بذلك قطاعات اقتصادية بأكملها، و تخلق جَو من التوجّس والقلق واللا أمان القانوني المُنفر للأعمال والاستثمار، بدلاً من إرساء أسس مؤاتية ومنفتحة ومرحبة به، كما تفتقر لأي نظرة مستقبلية لتحفيز الاقتصاد وخلق بيئة مؤاتية للأعمال وتحقيق استقلالية القضاء بالفعل لا بالقول وتشجيع المستثمرين للنهوض بالاقتصاد ومحاربة البطالة وخلق فرص العمل، و تعاقِب انجازات القطاع الخاص، وتتغاضى عن ارتكابات القطاع العام، إنطلاقاً من تشخيص خاطئ ومجحف للأزمة.”
وأضاف البيان: “كما تُحَيّد الخطة القطاع العام بشكل شبه كامل، وتكبّد القطاع الخاص والاقتصاد الوطني المنكوبَين أصلاً المزيد من الضرائب العشوائية، وقد يطاول البعض منها الانتشار اللبناني في منفاه، بعدما ثبت فشل هذه السياسة المدوي في السابق.
وتقفز فوق الاصلاحات البنيوية المطلوبة بآلياتها وأطرها وجدولها الزمني، وتكتفي بتكرار تعابير ووعود مجترّة منذ باريس1، مع العلم ان الوعود بالاصلاح التي تجاوب معها القطاع الخاص، وتحديداً القطاع المصرفي، بمسؤولية وبروح وطنية مراراً وتكراراً، لم تعد مقنعة لأحد، و تعمل الخطة بشكل واضح على الاستيلاء على الرساميل بشكل مباشر أو من خلال ابتكار صناديق تسيطر عليها الدولة، وتضع خطوات عاجلة وواضحة لوضع اليد على أرزاق اللبنانيين، مقابل أفكار آجلة وغامضة حول آلية تخفيض العجز، و تعيد الخطة تكرار أخطاء الماضي المريرة والقاتلة، بتكليف الدولة مرة جديدة إدارة مقدرات البلد من خلال الصناديق التي سيتم انشاؤها، ما سيؤدي حتماً الى استنزاف ما تبقى من قدرات في القطاعين العام والخاص وهدر أموال اللبنانيين.
وتستند الى بدع قانونية، كالفصل بين المصارف والمصرفيين، بينما لا يمكن بأي حال من الاحوال استمرارية تلك من دون هؤلاء، كما بين الدولة ورجالاتها، فيما الأخيرة مسؤولة بأملاكها بالكامل عن تحمل تبعات أخطائها وارتكاباتها، و تغفل عن أنه لا أمل للأجيال القادمة في هذا البلد، إذا جُرّم المقرض وبرئ المقترض، لا سيما إذا تم وضع اليد على أرزاق الاجيال الحالية. فلا قيامَ للاقتصاد الوطني إذا تمت مصادرة أموال اللبنانيين وأُمِمَت رساميل المصارف وودائعها، لذنبٍ لم يرتكبوه.
و تحدد الخسائر المالية المفترضة قبل القيام بالتعريف القانوني والمحاسبي لها، وقبل التفاوض مع المقرضين، كما يتم تبدية الشأن المحاسبي النظري على الشأن الاقتصادي الفعلي.”
وقالت الهيئات الاقتصادية: “تستخدم الخطة أيضاً مقاربة تحليلية جامدة للفجوة المالية وكأنها تجري عملية تصفية نهائية للاقتصاد، فيما المطلوب هو مسار ديناميكي يرتكز الى خروج تدريجي من الأزمة، بالاستناذ الى المحركات والميزات الذاتية التي يتمتع بها الاقتصاد.
و تنطلق من فرضيات خاطئة، كالادعاء أن عملية الانقاذ من قِبل الدول، سقطت منذ العام 2008، فيما تُقرَّر هذه الامور في كل دولة على حدة، وخاصة في لبنان حيث الدولة هي من تسبب بالانهيار المالي الكبير وتُسأل عنه.
وانطلاقاً من محتوى الخطة وما ورد فيها من بنود يمكن ان يتم وَصفُها بالخطرة، ترى الهيئات نفسها مضطرة للوقوف في وَجهِ النفس وبعض المشاريع الانقلابية على جوهر نظامنا الاقتصادي الحر.”
واختتم البيان: “و تأمل الهيئات الاقتصادية، وهي اُم الصبي، ان تأخذ الحكومة بملاحظاتها الآنفة الذكر، خاصة خلال فترة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، كي لا يفوِّت لبنان الفرصة الاخيرة للاصلاح المالي وإعادة النهوض الاقتصادي. وتضع الهيئات امكانياتها في خدمة هذا الطموح المشروع”.
أخبار متعلقة :