45 صفحة من عمر الوطن طواها الزمن منذ اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية. إنها “حرب الآخرين” على ما كتب عنها يوما عميد الصحافة والسياسة والديبلوماسية غسان تويني. إنها أيضا “حرب الميليشيات” كما يسميها بعض من عايشها وكثيرون ممن شاركوا في صولاتها وجولاتها، وقد أوجدوا كثيرا من مبررات حمل السلاح خارج إطار الشرعية. فهناك من يقول لو لم تتخذ “الميليشيات” قرار مواجهة الفلسطينيين والسوريين لملء فراغ مرعب تركته الدولة والسلطات في لحظة معينة، لما كان في استطاعة اللبنانيين العيش بكرامة في وطن مستقل. وهناك من يقول أيضا إن حمل السلاح دفاعا عن القضايا السامية والمقدسات والأرض لا يعني خوض معارك في غير زمانها ومكانها…
تعددت الأسباب والتسميات والحرب واحدة: على مدى أكثر من 15 عاما، شكل لبنان الأرض الخصبة للاقتتال الطائفي البغيض فدفع أبناؤه من حياتهم ودمائهم وأرزاقهم ثمن صراعات ما هدفت إلا إلى تصفية الحسابات الدولية مع الفلسطينيين ومنع مرور طريق فلسطين من جونيه على ما حلم به الرئيس الراحل ياسر عرفات يوما، ولمواجهة سوريا وحضورها العربي إلى أن التقت المصالح العربية والدولية عينها على تعبيد الطريق أمام الدخول السوري إلى لبنان تحت ستار قوات الردع العربية عام 1976، علما أنه تكرس وثبت في ما بعد عقب معركة 13 تشرين 1990 الشهيرة كما على إبرام اتفاق الطائف عام 1989 لوقف الاقتتال اللبناني، حين دقت الساعة الدولية والاقليمية المناسبة لذلك.
وما بين المحطتين… وقفات لبنانية كثيرة مع الموت والاستشهاد والخطف والتهجير والتشرد، لا تخطر في بال أصحاب الذاكرة السياسية الضعيفة إلا في 13 نيسان من كل عام… متناسين أن بين صفوف اللبنانيين جرحى ومعوقين ومرضى “أكلوا نصيبهم” من الحرب وويلاتها وجراحها التي لا تزال نازفة كما لو أنها فتحت في الماضي القريب. ويقول متابعو الشأن السياسي في هذا الاطار إن هذه االجراح لن تجد سبيلا إلى الشفاء قبل أن ينبري اللبنانيون إلى مراجعة لتاريخهم الحديث الذي لا يزال يرسم خطوط الانقسام في ما بينهم.
ذلك أن بعد أربعة عقود ونصف العقد على حادثة بوسطة عين الرمانة، آن الأوان للإنطلاق نحو لبنان جديد لا يكتبه صناع الحرب وحيدين لأن أبطال الحروب لا يمكن أن يكونوا في قمرة القيادة في زمن السلم. مع العلم أن هذا لا يعني أن القضايا النبيلة التي رفعوا لواءها في الماضي القريب تموت بفعل مرور الزمن، بل تبدو الحجر الأساس في بناء لبنان الدولة القادرة القوية التي لا تقاسم أحدا سلطتها وسلاحها وهيبتها… قد تكون هذه هي العبرة الأولى التي يجب استخلاصها من الحرب الأهلية، وهو ما حاول أبطال 17 تشرين الاضاءة عليه والنضال في سبيله… ذلك أن الجيل الجديد فهم أن الثورة هي المحطة الأولى التي تقف عندها بوسطة 13 نيسان، على طريق الدولة المدنية الحرة المتحررة حيث الانسان محترم لكونه قيمة في ذاتها والولاء للبنان دون سواه…
أخبار متعلقة :