لا يجوز أن يمر السجال العنيف بين السفارة الأميركية في بيروت وحزب الله على خلفية ملف تعيينات نواب حاكم مصرف لبنان مرور الكرام. ذلك أن هذه القضية الشائكة سجلت سابقة لافتة من حيث القرار الأميركي بالدخول المباشر على خط السجال، لتجديد اتهام حزب الله بمحاولة فرض شروطه وخياراته على السلطات والحكومة اللبنانية لـ “تعزيز نفوذه” على الساحة المحلية، على حد قول المتحدث باسم السفارة في بيروت كايسي بونفيلد في مقابلة صحافية.
ولكن، وفي وقت يعتبر بعض المراقبين هذا الكباش فصلا من المواجهة المزمنة بين واشنطن وايران وأذرعها الاقليمية، تتخوف أوساط سياسية سيادية عبر “المركزية” مما قد يحمله بين طياته من رسائل مشفرة من الحزب إلى حلفائه وخصومه على حد سواء، مع العلم أنها قد لا توفر بشظاياها اتفاق الطائف والخطوط العريضة التي تتحرك ضمن حدودها الحياة السياسية المحلية.
وفي السياق، تشير الاوساط إلى أن الكباش حول تعيينات نواب حاكم البنك المركزي أتى في عز انشغال لبنان والعالم بمكافحة وباء كورونا. توقيت ملتبس، يدفع إلى الاعتقاد أن الثنائي حزب الله- التيار الوطني الحر قد يكون حاول اغتنام هذه الفرصة النادرة لإنجاز مشروعه وفرض خياراته على الحكومة، وبين سطور ذلك محاولة لتعزيز فرص قيام ثنائية مارونية- شيعية في مقابل الثنائية المسيحية- السنية التي كان اتفاق الطائف قد أرساها قبل أكثر من ثلاثة عقود. بدليل أن تيار المستقبل، وقبله الرئيس سعد الحريري شخصيا دخلا علنا على الخط للدفاع عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ونواب الحاكم الحاليين في رد مبطن على الكلام عن اتجاه إلى تغييرهم “بالجملة”، كما يريد رئيس الحكومة حسان دياب.
وبينما سحب دياب نفسه هذا البند من جدول أعمال مجلس الوزراء، لتفادي سقوط الهيكل فوق رؤوس الجميع تلفت الاوساط إلى أن القيمين على مشروع كذاك الذي يعمل عليه الحزب والدائرون في فلكه حفظوا شيئا وغابت عنهم أشياء، أولها أن أي انقضاض على اتفاق الطائف أو فتح لباب تعديله غير واردة في الوضع الراهن على الأقل، لأن أحدا ليس في وارد المجازفة الخطرة إلى هذا الحد.
على صعيد آخر، فإن تغيير المعادلات على نحو يتيح قيام ثنائية مسيحية- شيعية قد يكون صعبا بفعل انفراط عقد تفاهم معراب بين التيار الوطني الحر والقوات، وعودة العزف على خطوط التوتر العالي بين الجانبين، في مقابل قبضة حديدية من الثنائي أمل- حزب الله على المشهد الشيعي، ومحاولات الرئيس الحريري لتجديد تكريس حضوره الكاسح على الساحة السنية.
وإلى جانب كل هذه العوامل ذات الطابع المحلي، تضيف الأوساط السيادية تراجع النفوذ والدور الايرانيين في المنطقة، بدليل التصعيد الذي سجل في إدلب شمال سوريا أخيرا، ولم ينته لصالح محور الممانعة والمقاومة الذي تمسك طهران بخيوطه، معطوفة على الخسائر التي مني بها المحور عينه في اليمن وفي العراق منذ سقوط الرئيس صدام حسين. ذلك أن الجمهورية الاسلامية لا تزال تحاول إحكام قبضتها على الساحة العراقية، مدعومة من الحشد الشعبي، من دون أن تحقق نجاحا مستداما حتى الآن.
تبعا لهذه الصورة، تؤكد الأوساط السيادية المعارضة أن أمرا واحدا يبدو أكيدا: التغييرات السياسية ستطبع المراحل المقبلة، لكن رياحها قد لا تجري كما تشتهي السفن الايرانية.
أخبار متعلقة :