كمن يجلد نفسه، تتعاطى الحكومة مع ملف الكهرباء. هي المنشغلة حتى العظم بيوروبونداتها وكيفية حل هذه المعضلة، تشيح النظر بالكامل عن ازمة الكهرباء التي سلّمت امرها لوزير الطاقة ريمون غجر لينفذ خطة اسلافه الموروثة، على رغم انها موضع شكوى عارمة من معظم الافرقاء السياسيين، وخصوصا رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي اكد مرارا امام زواره انه لن يترك الملف وسيضع يده عليه ويدفعه الى الحل النهائي رافضا خطة رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل لأنها لم تتمكن من ارساء الحل المنشود على رغم المليارات التي انفقت، لا بل استمر التقنين على حاله والشكوى عارمة من المواطنين جراء دفع فاتورتين للدولة والمولدات التي شرعنتها وزارة الطاقة من خلال العدادات. ويرفض بري، وفق اوساطه، المضي بهذه الخطة التي اثبتت عقمها، معتبرا ان الانطلاق في معالجة ازمة الكهرباء يشكل نقطة عبور لحكومة دياب الى الخارج لإثبات جديتها في الاصلاح تمهيدا للحصول على الدعم والمساعدات ولا بد ان توضع في رأس قائمة اولويات دياب.
ازمة الكهرباء التي تشكل اكبر مصدر هدر في الدولة، يناهز تقريبا نصف حجم الدين العام، ليست عصية على الحل كما يعتقد البعض، فالاقتراحات كثيرة والافكار المطروحة كمخارج اكثر من ان تحصى بدليل المشاريع التي عرضتها شركات اجنبية ورفضت كلها، لاعتبارات سياسية مصلحية كما تقول مصادر في المعارضة لـ”المركزية”.
وتوضح المصادر ان “الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فور تسلمه السلطة فاوض شخصيا البنك الدولي وصندوق النقد لمعالجة ازمة الكهرباء. وبنتيجة جهوده وبمساعدة البنك الدولي تمكن من تأمين الكهرباء لمصر (7000 كيلوات) في مدة لم تتجاوز العام الواحد، من خلال انشاء مصانع على الغاز في كل انحاء البلاد بمناقصات لشركات عالمية عبر نظام B.O.T . وتولى الرئيس السيسي شخصيا الاشراف على التنفيذ الى حين بلوغ مرحلة الحل النهائي حتى باتت مصر “مشعشعة” لا بل تملك فائضا من الطاقة”.
وتسأل ان لبنان بحاجة الى 3000 كيلوات، 1500 منها في المرحلة الاولى، وهو يؤمن راهنا 1200 عبر المصانع والبواخر واستجرار الكهرباء من سوريا، فلمَ لا يعتمد النموذج المصري لتوليد الطاقة بمناقصة عالمية وتكليف شركات انشاء مصانع عبرBOT ، من دون ان يدفع قرشا واحدا، وبعد 15 سنة يستعيد المصانع وتتأمن الكهرباء 24 ساعة على 24، لتبدأ مرحلة تحقيق الوفر للخزينة بما يزيد على الـ3 مليارات دولار؟
وتؤكد المصادر ان هذه الطريقة هي اقصر الدروب امام حكومة دياب لإثبات جديتها في الاصلاح واستعادة ثقة الداخل والخارج بلبنان، ما يفتح خزائن المساعدات الخارجية لدعم مالية لبنان واقتصاده، لاسيما عبر مشاريع “سيدر”. وتشير الى ان المسؤولين الفرنسيين الذين اجتمع اليهم وزير الخارجية ناصيف حتي ابان زيارته باريس شددوا على ضرورة ان تسارع الحكومة الى معالجة الموضوع بكل جدية بعدما ثبت عقم الخطط السابقة وبقاء القطاع في حال عجز وانهيار يستنزف مالية الدولة الى اقصى حد.
وتكشف المصادر المعارضة ان احد الصناديق العربية عرض على لبنان معالجة ملف الكهرباء وانشاء معامل على الغاز عبر الـ BOT وتأمين التيار لكل لبنان على مدار الساعة وإعادة المنشآت الى الدولة بعد فترة، غير ان وزير الطاقة انذاك النائب جبران باسيل اعترض على تحويل الملف الى الصناديق العربية ولجأ الى خطة الاستعانة بالبواخر، كما كشف ذلك الوزير السابق نقولا نحاس. فأين الحكمة في قرارات مماثلة، تسأل المصادر، وأين المصلحة الوطنية الواجب ان تتقدم على كل المصالح والحسابات والمنافع والصفقات، بعدما بات لبنان في قعر الهاوية، والاهم اين من يحاسب ويسأل عن هذه المصلحة التي تبدو انتفت من حسابات السياسيين وكل من في السلطة الحاكمة؟
أخبار متعلقة :