رأى رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة أن “طريق الحل موجود وهو بالعودة إلى الدستور. والدستور يفترض به أن يكون الحكم في كل أمر، فهو أسمى القوانين وهو الذي ينظم المبادئ الأساسية التي تعيش على أساسها الشعوب والدول”. وقال: “الدستور واضح وصريح وهو يحدد ما ينبغي على رئيس الجمهورية القيام به عند استقالة رئيس الحكومة أو الحكومة، وذلك بإجراء استشارات نيابية ملزمة. ملزمة أن يقوم بها وإلزامية له بنتائجها، وبالتالي من غير المسموح له أن يتصرف على هواه. هو الآن يمتنع عن إجراء الاستشارات ويقوم بدلا منها بمشاورات كما سماها، أي يقوم بالتأليف قبل التكليف، وهو بذلك لا يخرق ويخالف الدستور فقط بل يتعدى على صلاحيات الرئيس المكلف، وكذلك على صلاحيات مجلس النواب، ليأتي بالحكومة التي يريدها هو وعلى هواه. هذا ليس ما ينص عليه الدستور بل يؤكد أهمية العودة إلى الأصول وتطبيق الدستور. أي أنه بمقدور فخامة الرئيس أن يبادر غدًا إلى دعوة المجلس النيابي لاستشارات نيابية ملزمة، ومن ثم تبدأ الآلية الدستورية عملها وتعود بعد ذلك المسؤولية على الرئيس المكلف في القيام بدوره في التشاور مع النواب وغيرهم ويتولى تأليف الحكومة العتيدة بالتوافق مع رئيس الجمهورية ويتحمل عندها مسؤولياته”.
وأضاف في حوار أجرته معه قناة “بوابة العين” الإخبارية: “باعتقادي أن الأمور ما زالت معقدة، فخامة الرئيس يصر مع من هم في تياره وكذلك “حزب الله” وحركة “أمل” على حكومة سياسية أو تكنوسياسية خلافًا لما يريده الشباب والأكثرية الوازنة من اللبنانيين. هذا يأخذنا للتعرف على الأسباب التي دعت أهل الانتفاضة الشبابية إلى الإصرار على أن تكون الحكومة العتيدة من اختصاصيين وأصحاب الكفاءات، وذلك باستثناء رئيسها طبعا لأنه لا يمكن أن يكون الرئيس ممن ليس لديه خبرة في العمل السياسي والحكومي. إن إصرارهم ناتج عن أمر أساسي هو أن هناك تجربة حكومية قد فشلت في لبنان وتعود إلى الخيار الذي اتبعته الأحزاب اللبنانية الطائفية والمذهبية باعتماد الحكومات الائتلافية، فهذه الحكومات وبطبيعتها وبتعاون وتواطؤ أعضائها في ما بينهم جرى إفساد العملية الديمقراطية في المساءلة والمحاسبة، إذ أصبح من هم في مجلس النواب حيث ينبغي أن تتم المساءلة والمحاسبة أيضا موجودون في الحكومة -أي هم أنفسهم- وبالتالي نرى كيف فقدت العملية الديمقراطية جدواها ولم تعد المساءلة والمحاسبة تؤدي دورها، وهذا الأمر قد أدى إلى المزيد من الفساد والإفساد”.
وتابع: “أنا اعتقد أن العناد ما زال عند معظم الفرقاء، فموقف فخامة الرئيس لا يمكن تفسيره إذ أنه هو الذي يفترض به أن يكون الشخص الأول الذي يحترم الدستور ويراقب ويحاسب جميع اللبنانيين الذين لا يحترمون الدستور. هذا هو دور رئيس الجمهورية، هو الديدبان وهو الحامي للدستور وهو من يفترض به أن يكون فوق كل السلطات وهو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن ويسهر على احترام الدستور وعليه أن يمارس دوره في كونه الجامع لكل الفرقاء المختلفين، والذي يحاول ويعمل من أجل تدوير الزوايا لكي يتوصل إلى التوفيق في ما بينهم وبالتالي إلى الحل المنشود. هذا ما وصلنا اليه الآن، والمؤسف أن هذا الأمر يجري في ظل أوضاع شديدة الدقة والصعوبة على الصعد الاقتصادية والمالية والنقدية وكذلك والمعيشية. ولهذا، فإن الأمر يتطلب من الجميع وفي مقدمهم فخامة الرئيس، المبادرة السريعة من أجل إيجاد الحلول وذلك قبل أن يصبح الأمر أكثر صعوبة، فلبنان على وشك الدخول في نفق سيكون من المستحيل عليه بعد ذلك الخروج منه”.
وعما إذا كانت الأزمة ستطول، قال: “لا أستطيع أن أتنبأ بما قد يفعله الآخرون، لكن الأمر شديد الصعوبة ويتطلب من الجميع قدرًا عاليًا من التبصر والتنبه إلى المخاطر”.
وردًا على سؤال عما إذا كان الرئيس سعد الحريري يقترب أو يبتعد من تشكيل الحكومة الجديدة، قال: “سعد الحريري أعرب عن موقفه بشكل واضح أنه إذا كانت أكثرية النواب قد سمته وبالتالي كان التكليف الصادر عن مجلس النواب لصالح الرئيس سعد الحريري فهو سيعمل على تأليف حكومة من غير الحزبيين أي من المستقلين ولكن من أصحاب الكفاءة والناجحين، وهذا هو موقفه حتى الآن، مع أنه أبدى مرارا عديدة عدم رغبته في قبول التكليف. على أي حال، هذا الأمر تحسم به فقط الاستشارات النيابية الملزمة وهذا يعني وجوب أن يبادر فخامة الرئيس إلى إجراء الاستشارات وكل فريق من النواب عندها يتحمل مسؤوليته ويسمي من يراه مناسبًا ليكلف وبالتالي ليؤلف الحكومة. هذا الأمر يبدأ من هنا. الآن ما يجري وما يقوم به فخامة الرئيس في هذا الصدد مخالف للدستور وتعطيل وخرق له”.
وأضاف: “رأيي أن الرئيس سعد الحريري هو الأفضل الآن لتولي هذه المسؤولية نظرًا لما يتمتع به من رمزية وطنية وحضور وطني ومن خبرة في العمل السياسي والعمل الحكومي. ولكن هذا الأمر يتوقف على إرادتين: إرادة النواب الذين عليهم التسمية، وإرادة الرئيس الحريري بقبول التكليف”.
وأردف: “هناك ثلاثة أمور يتم فيها خرق الدستور: أولا، أنه يتم تأجيل عملية الاستشارات النيابية الملزمة ولاسيما على خلفية الأوضاع الاستثنائية والصعبة التي توجب على الرئيس المسارعة إلى إجراء هذه الاستشارات الملزمة، ولاسيما على الصعد المالية والمعيشية. ثانيا، بكونه يتعدى على صلاحيات الرئيس المكلف أو الذي يتم تسميته من الغالبية من النواب لتأليف الحكومة، فهو يتعدى على صلاحياته ودوره في انه هو -أي الرئيس المكلف- الذي عليه أن يحدد طبيعة وشكل الحكومة وهو من يؤلفها. ثالثا، إنه عندما يؤخر الرئيس الاستشارات فإنه يتعدى على صلاحيات المجلس النيابي الذي ينبغي أن يستشار في المقام الأول. إذ إن العملية الدستورية توجب على الرئيس وتلزمه بإجراء الاستشارات النيابية كما أنه ملزم باحترام نتائج تلك الاستشارات. هذه هي المعضلة التي نواجهها اليوم”.
وأكد أنه “على تواصل مع الرئيس الحريري”، وقال: “لقد عبرت ورؤساء الحكومة السابقين عن موقفنا واصدرنا بيانا بأن الشخص الأمثل ليتولى هذه المسؤولية هو الرئيس الحريري نظرا لما يتمتع به من رمزية وطنية وحضور وطني لدى الناس، وخبرة في العمل السياسي والحكومي. وأعتقد أنه من المهم الالتزام والتبصر بهذا الأمر، ولاسيما بسبب الأخطاء الكبيرة التي ارتكبت على مدى السنوات الماضية باعتماد الحكومات الإئتلافية التي ألغت عمليا أهم عناصر نجاح النظام الديمقراطي الذي يقوم على وجود عنصرين أساسيين هما المساءلة والمحاسبة للحكومات، وفي غياب ذلك تصبح الحكومة مرآة كاملة لمن هم في مجلس النواب وبالتالي لا يستطيع عندها مجلس النواب القيام بالدور الحقيقي في محاسبة الحكومة”.
وقال: “لقد عبرنا كرؤساء حكومة سابقين عن رأينا لكن لا يمكن لي أو لأي أحد أن يستبق القرار الذي يصدر عقب استشارة النواب. الواقع أنه تجب استشارة النواب الـ128 نائبًا وان يدلوا برأيهم. أنا لا أستطيع من موقعي أن أقول إننا اقتربنا أم لم نقترب من تسمية الرئيس الحريري، هذا الأمر تحدده الاستشارات، هذه هي العملية الديمقراطية وبالتالي من غير الممكن لي أن أتنبأ بهذا الأمر”. وعما إذا كان يرى الحل قريبًا، قال: “حتى الآن لا أرى اقترابًا حقيقيًا بل على العكس نرى مزيدا من التأخير رغم الظروف الصعبة التي يمر بها البلد وهو على وشك أن يدخل نفقًا قد يكون من المستحيل الخروج منه، نفق اقتصادي ومالي ولذلك تداعيات أمنية ومعيشية”.
وأشار إلى أن “في ضوء انتفاضة أولئك الشبان والشابات، لا يمكن لأحد أن يتجاهل ما يريدونه فهم يمثلون المستقبل والمشكلة أن هناك من يخاطبهم بعقلية قديمة، وبلغة قديمة، لا يستطيعون التفاهم ولا التجاوب معه. والأمر الأساس الذي جرى هو أن هنالك متغيرات كبرى شهدناها ونشهدها في لبنان. والحقيقة أن لبنان ما قبل 17 تشرين هو غير لبنان ما بعد ذلك التاريخ”.
وردا على سؤال عن الاشتباك مع عناصر “حزب الله”، قال: “لقد عبر المتظاهرون عن رأيهم بكل سلمية وبشكل حضاري وبالتالي هم يطالبون بانتهاج أسلوب سلمي لتغيير الواقع الذي ثبت فشله، أما أن يصار إلى الرد على مواقف الشباب بإطلاق التهم والتخوين وتارة بالعنف الذي أدى إلى صدامات وعراك في الشارع من تكسير سيارات وسرقة محلات وتخريب خيم، فهذا أمر مرفوض وغير مقبول. وفي المحصلة يتبين للجميع من هم بالفعل أولئك الذين لهم مصلحة في استمرار الوضع القائم على حاله وهو الحال الذي كما قلت قد ثبت فشله. في المقابل، هناك مواقف يعبر عنها الشباب تمتد من شمال لبنان إلى جنوبه، ومن جميع المواطنين وعلى اختلاف مناطقهم وطوائفهم ومذاهبهم وأعمارهم، ترفض ما يجري وتستنكر وتدين ردود الفعل التي شهدناها البارحة وتبدي رغبتها في التغيير وإجراء الإصلاحات الحقيقية”.
وختم: “أعتقد أن هذه هي المناسبة التي ينبغي أن نجلس جميعًا بهدوء لنتبصر في شأن بلدنا، فجميع اللبنانيين مبحرون على زورق واحد ومن يعمد منهم إلى تخريبه هو من يحكم على نفسه، وكذلك على الآخرين. آن الأوان للجميع أن يتبصر وأتمنى على “حزب الله” أن ينظر إلى الأمر بعين واعية والمباشرة في حوار حقيقي. يفترض بأن يقوم فخامة الرئيس بهذا الأمر وعليه طمأنة جميع المعنيين إلى ما آلت إليه الأمور والمبادرة فورا إلى إجراء الاستشارات النيابية وتسهيل قيام الحكومة، وإلا فنحن متجهون إلى وضع شديد السوء”.
أخبار متعلقة :