كتبت نجوى ابي حيدر في “المركزية”:
محق جدا رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل في مقاربته ملف النزوح السوري الى لبنان خلال مؤتمر نظمه حزبه بعنوان “لن نتخلى عن احد”، شارك فيه وزير الخارجية والتجارة الهنغاري بيتر سيارتو ووزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الاعمال عبدالله بو حبيب وممثل وزير الخارجية التركية مولود جاويش اوغلو فهري توركار اوبا. ما نبّه منه منذ اندلاع الحرب في سوريا حصل وتسبب بأزمة كيانية طويلة الامد.
هو قال في كلمته”مشهدية تدميرية دموية نكبت سوريا ولبنان (والجوار معها)، ولما رفعنا الصوت محذرين من فتح الحدود، بلا حدود، اتهمنا بالعنصرية، حتى تسلل الارهابيون تحت عباءة النازحين واحتلوا ارضنا في شرق البلاد… العنصرية ليست في رفض استضافة نزوح جماعي عشوائي ومبرمج، بل هي في تفريغ الأرض من عناصرها البشرية ودفعهم للاستيطان في دولة اخرى ارضها لا تتسع لسكانها، ومواردها لا تكفي حاجاتهم. فتقع عندها الأزمة بين نازح سوري – ضحية يبحث عن ارض ومورد رزق، وبين مضيف لبناني – ضحية يترك ارضه بحثا عن لقمة العيش”.
واقع وصّفّه بدقة متناهية وعن حق رئيس التيار، لا سيما في ظل ما يعانيه لبنان من انهيار اقتصادي ومالي ومن تورط عدد كبير من النازحين السوريين في جرائم سلب وسرقات وتجارة مخدرات وقتل وغيرها ،تعج بهم السجون اللبنانية المكتظة اساسا، فيما خطط العودة الطوعية التي يجهد في سبيلها الامن العام اللبناني لا تحدث فرقا ، حتى انها تضمحل وتكاد تختفي بفعل عدم حماسة السوريين للعودة وضعف الاقبال على التسجيل، لمَ لا والمؤمن لهم ماديا ومعيشيا على الاراضي اللبنانية غير متوافر في بلادهم، علما ان لا نية على ما هو ظاهر لدى المجتمع الدولي المفترض ان يتحمل وزر هذا العبء عن لبنان في اتخاذ ما يلزم من اجراءات لتأمين عودة النازحين ، اقله الى المناطق الامنة، وقد باتت سوريا بمعظمها كذلك، وتقديم المساعدات لهم هناك.
الا ان ما يدركه النائب باسيل اكثر من غيره على الارجح ان افق العودة مسدود بالكامل وهو ما لمسه لمس اليد ابان عهد الرئيس ميشال عون على مدى السنوات الست، فما هي ابعاد مواقفه من الملف ولماذا يطلقها في هذا التوقيت بالذات حيث تضج الساحة الداخلية بالملفات الملتهبة سياسيا وماليا وقضائيا؟
تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية” ان اقصى ما يسعى اليه النائب باسيل هو الشعبوية من خلال المزايدات السياسية لتغطية اخفاقات تياره واقترافات وزرائه وتحديدا في ملف الكهرباء الذي عمد وزير طاقته او الوزير بالوكالة، والاثنان من فريقه السياسي الى استقدام بواخر الفيول من دون تأمين اعتمادات، وهي ما تزال راسية تنتظر تفريغ حمولتها مكبّدة اللبنانيين ما يناهز المليون دولار حتى الساعة غرامات تأخير، ورغم ذلك، يستمر في المكابرة، تحت ستار الحفاظ على صلاحيات رئيس الجمهورية والموقع المسيحي، فيوعز لوزير الطاقة بعدم حضور جلسة مجلس الوزراء التي سيبحث فيها البند الكهربائي، بعدما وجه رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الدعوة الى انعقادها في العاشرة صباح بعد غد الاربعاء . ويعمد باسيل في الوقت نفسه، تضيف المصادر، من خلال تسليط الضوء على ملف النازحين السوريين راهنا الى اشاحة النظر عن عدم قدرته على مواجهة حزب الله الذي يسدد له الضربة تلو الاخرى، بعدما شارك في جلسة الحكومة السابقة وأمن نصابها، وسيشارك في جلسة الاربعاء، ولو محددا المشاركة ببحث بند الكهرباء. اذ انه رغم السقف العالي الذي بلغته مواقفه في الاعقاب والتهويل بالويل والثبور وامكان فسخ تحالف مار مخايل، عاد الى موقع الحاجة الماسة للحزب رئاسيا وشعبيا وانتخابيا، وتجلى ذلك في بيان مجلسه السياسي الاخير وفي صمته المطبق حيال موقف الحزب من حضور الجلسة الحكومية الاربعاء، فلم ينبت اي من فريقه السياسي ببنت شفة،ولا فاض كأس صبره الذي انتظره كثيرون، وهو يتجه تكرارا نحو العودة الى “قواعده البيضاء سالما” في جلسة الخميس الرئاسية.
والى اشاحة الانظارعن مأزوميته، يعتقد رئيس التيار الوطني الحر انه باثارة ملف النازحين يمكن ان يضغط على الحكومة وعلى حزب الله الذي لم يوفد مسؤول لجنة التنسيق والارتباط وفيق صفا حتى الساعة للاجتماع بباسيل ومفاوضته على “جائزة ترضية” ما في الملف الرئاسي او غيره، تخفض منسوب غضبه.
تصعيد باسيل “نزوحيا” تختم المصادر، بات مألوفا ومعروف المرامي والابعاد، وقد حوله اداة يستخدمها كلما تعرضت مصالحه وتطلعاته السياسية للضرر، وماذا اكثر من انسداد الافق الرئاسي بالكامل امامه من الحلفاء قبل الخصوم .