نبض لبنان

السنيورة: باسيل يفتعل مشكلة من لا شيء

شدد الرئيس الأسبق للحكومة فؤاد السنيورة على أن “الصعاب كثيرة، وما يُروّج له اليوم مقصود، بهدف تيئيس الناس وإبعادهم عن المقاربة الصحيحة في التصدي للمشكلات الكبيرة التي يواجهونها”.

وأضاف في حديث لـ”النهار”: “معالجة المشكلات تقتضي القيام بإصلاحات أساسية على الصعد الاقتصادية والمالية والنقدية والإدارية، لكن كل هذه المعالجات، على ضرورتها وأهميتها غير كافية، وتبقى من دون جدوى إذا لم تترافق مع عمل جدي لاستعادة الدولة لدورها وصلاحياتها وسلطتها. لا يمكن للتمنيات وحدها أن توصل إلى حلول ناجحة، بل يقتضي ذلك أن تترجم التمنيات بعمل هادف ودؤوب، والنضال الوطني ليس عملاً ولا قراراً بسيطاً يُتخذ بين ليلة وضحاها، بل هو عمل يتطلب مثابرة واستدامة. كذلك، فإنّ غياب الدولة اليوم لا يعني أننا نستطيع العيش من دونها، لقد أثبتت الأيام أنه لا يمكن أن نعيش من دون دولة”.

وتابع قائلا: “للبطريرك دورٌ كبيرٌ يمكن أن يلعبه – وبشكل أساسي في هذا المضمار الوطني – لأنّه يمثل الصرح الذي كان في أساس تكوين لبنان، والمهم اليوم إعادة إحياء الخطاب الوطني، من هنا، نأمل من البطريركية استمرار التحدث بخطاب وطني وتفادي الانزلاق إلى سياسة شدّ العصب الطائفي، التي يقوم بها جبران باسيل – الذي برأي السنيورة – يبدو وكأنّه هو الذي يحدّد البوصلة ويحاول أن يجر الآخرين إليها”.

إلى ذلك، أشار السنيورة إلى ان “فكرة الذهاب الى مؤتمر دولي من أجل لبنان فكرة غير واقعية، لأننا نطلب شيئاً مقتضياته الدولية غير متوافرة. الحياد مساره طويل – وطويل جداً – والمثال على ذلك سويسرا. ولبنان اليوم غير موجود على “شاشة رادار” الخارج، في ظل ما يحصل في أوكرانيا وبقية البلدان، وهذا يتطلّب الذهاب باتجاه طروحات أكثر واقعية، والتركيز على فكرة تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية والدولية مع الحرص على التمسك بالمبادرة العربية للسلام، وهناك فرق بين التحييد والحياد”. ولكن هذا كلّه يتطلب استعادة الدولة في دورها وفي سلطتها وهيبتها”.

لا يؤيّد السنيورة نظرية أنّ قرار اختيار وانتخاب رئيس الجمهورية هو قرار مسيحي. ويضيف: “في العام 2014 صرحت من بكركي بأنّ هذا القرار هو قرار وطني، وليس قراراً مسيحياً فقط، كما أنَّ قرار تسمية رئيس الحكومة هو أيضاً قرار وطني”. لكن يميّز السنيورة بين دور رئاستي الجمهورية والحكومة. “في النظام الديموقراطي البرلماني؛ رئيس الجمهورية يجب أن يكون فوق كل السلطات، هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، بينما رئيس الحكومة هو رئيس الأكثرية، وعندما يفقد رئيس الحكومة هذه الأكثرية “بيروح عالبيت”، بينما رئيس الجمهورية يستمر لكامل الولاية. ومثال على ذلك حصل – وبطريقة غير مسبوقة – ما دفع الرئيس الحريري إلى الاستقالة في العام 2011. ولكنها تدل على ما نصّ عليه الدستور لجهة استقالة أكثر من ثلث أعضاء الحكومة، وهو ما أدّى إلى استقالتها. وبناء على ذلك، استقالت حكومة الرئيس سعد الحريري في العام 2011”.

وفي السياق، يتابع الرئيس السنيورة: “الرئيس القوي ليس فقط القوي بطائفته، بل القوي لدى جميع اللبنانيين، والقادر على مخاطبة جميع الناس وجمعهم تحت سقف الدستور واتفاق الطائف، واحترام الشرعيتين العربية والدولية. والرئيس يجب أن يكون مقبولاً ومؤيداً من غالبية اللبنانيين، ولا يتبنّى موقف فريق محدّد. فالرئيس هو حامي الدستور، وحامي كل اللبنانيين وليس المسيحيين فقط، وهذا ما يجب أن يكون واضحاً”.

كما لا يَستبعد في كلامه دور التوازنات والتأثيرات الخارجية في اللعبة الرئاسية، خصوصاً أن أطرافاً داخليين، وفي طليعتهم “حزب الله” ينقاد لأوامر إيران، التي تستخدم لبنان لبسط نفوذها وهيمنتها وتحسين قدرتها التفاوضية مع الغرب والولايات المتحدة، وهي لا تنطلق من ذلك في بسط نفوذها فقط في لبنان، بل وكذلك من خلال نفوذها في العراق وسوريا واليمن. ويعقّب السنيورة بالقول: “انّ إيران تمرّ الآن في وضع صعب على الصعد الداخلية والإقليمية والدولية، وهذا ربما سينعكس تصعيداً من قبلها في لبنان، لأنه من الصعب على طهران التنازل الآن، وهي اعتادت على عدم تقديم تنازلات عندما تمر في أوضاع صعبة”.

أمّا بشأن الحوار الذي ينادي به “الحزب”، فهو أمر جيد ودائماً مطلوب، ولكن الحوار ليس فقط للحوار، بل لتحقيق النتائج المتوخاة، وبالتالي تنفيذ ما يتفق عليه، حيث يقول: “كي يكتسب هذا الحوار صدقية – بحسب السنيورة – يجب أن ينفذ ما يتمّ التوافق عليه. فنحن لسنا ضد الحوار، ولكن أيّ حوار دخلنا فيه كلبنانيين منذ العام 2006، وتمّ تنفيذ ما تم الاتفاق عليه؟ بدءاً من المحكمة الدولية وصولاً إلى إعلان بعبدا ومواضيع أخرى عديدة”.

بالموازاة، يحرص السنيورة على ضرورة ذهاب القوى المعارِضة غير مفككة إلى الحوار، بل عليها أن تكون حاملة لمشروع وأفكار وطنية واضحة. وإلاّ، فإنّها ستقع حتماً في فخ “الحزب” الذي سيجبرها على سيل من التنازلات. علينا أن نمنع محاولات قضم وهضم المعارضة”. ويحذر من “مغبة التخلي عن النائب ميشال معوّض كمرشّح يمثل الطرح الوطني، ولو أن هناك إدراكاً لدى البعض أنّه لا يمكن إيصاله، ولكن أصول الحوار مع الطرف الآخر تقتضي التمسك به إلى حين يصبح الطرف الآخر جاهزاً للحوار بشأن من يمكن أن يصبح رئيساً للجمهورية، ويكون قادراً مع الحكومة الجديدة على تحقيق آمال اللبنانيين في ما يتمنون أن يكون عليه لبنان في المستقبل”.

وجدد التأكيد أنّ لبنان – وعلى ما يبدو واضحاً – ليس على أجندات العالم، حيث سئم العالم في خضم انشغالاته المتعاظمة استمرار استعصاء اللبنانيين على الإصلاح. ولذلك يقول السنيورة “بضرورة العودة إلى الأصول ألا وهي احترام الدستور، وعدم تفسيره بشكل انتقائي، وذلك على مزاج هذا الفريق أو ذاك”.

كما دخل السنيورة إلى اجتماعات الحكومة والصلاحيات الرئاسية الاستثنائية، ليؤكد أن “الدستور واضح، ويعطي حكومة تصريف الأعمال الحقّ بالاجتماع بالحدّ الأدنى، وتحت مسمّى الضرورة وضمن الحد الأدنى”. ويرى أن “ميقاتي ربما كان يجب أن يكتفي بوضع عدد من البنود الهامة على جدول أعمال تلك الجلسة التي عُقدت سابقاً، إذ كان يمكن أن يُكتفى بالبنود الأكثر أهمية فقط. على أي حال، فقد جرى تدارك الأمر. لكن في الوقت نفسه الآن، تستمر مسؤولية حكومة تصريف الأعمال. وهذا لا يعني ذلك الامتناع عن عقد جلسات حكومية عندما تدعو الحاجة لذلك. وهناك بالفعل حاجة لذلك”.

واعتبر أن “باسيل يفتعل مشكلة من لا شيء ويحاول أن يوهم المسيحيين بأن استمرار انعقاد الجلسات الحكومية الاستثنائية فيها انتقاص من حقوق المسيحيين، وهذا قول خاطئ. الدستور واضح أنه بغياب رئيس الجمهورية، فإنّ مجلس الوزراء حتى ولو كانت الحكومة تعتبر مستقيلة يتولى بالحد الأدنى الصلاحيات، وهو يؤيد دعوة البطريرك في هذا السياق في أنه لا حاجة لعقد جلسات إلاّ إذا كان هناك من أمور ضرورية. وهناك بالفعل ضرورة لبت بعض الأمور الملحة. لذا يشدّد على ضرورة “نشوف صح”، وأن نعمل على تصويب المسار والعودة إلى الالتزام باحترام الدستور”.

وفي هذا السياق، يقول السنيورة: “إنّ هناك كلاماً كثيراً بشأن الميثاقية والديموقراطية التوافقية، فذكّر بأنه عندما انسحب الثنائي الشيعي من حكومته، بقيت الحكومة شرعية 100%. لأنّه، واستناداً إلى المادة 69 من الدستور، فإنّ سقوط الحكومة يكون باستقالة أكثر من ثلث أعضائها، وليس بانسحاب مكوّن من مكوناتها أو أحد أطرافها الكبار. بالمقابل، فإنّه – وعند تشكيل الحكومة – فإنّه يجب عندها احترام للتمثيل الشرعي للجميع. بعد ذلك، باستقالة أكثر من ثلث أعضائها تعتبر الحكومة عندها مستقيلة.

وهنا، يؤكد السنيورة: “إنّ الميثاقية ابتدعها البعض من أجل أن تتحكّم الأقلية بالأكثرية. فلا شيء اسمه ميثاقية خارج الدستور. الميثاق الوطني في عهد رياض الصلح وبشارة الخوري، جوهره لا للشرق ولا للغرب، لا للوحدة مع سوريا ولا لبقاء الانتداب، هذا هو الميثاق. ولقد أتى اتفاق الطائف ليحوِّل تينك السلبيتين إلى إيجابيتين، وليقول بنهائية الكيان وبعروبة لبنان، وهو بذلك حوَّل السلبيتين إلى ايجابيتين ولم يعد هناك أي شيء اسمه ميثاقية خارج الدستور. “حزب الله” يخترع مفاهيم لا وجود لها، للوصول إلى مكان يسيطر فيه على الأكثرية”.

كما أكّد أنّ لا شيء في الدستور اسمه الديموقراطية التوافقية. الدستور ينص على أنّه تؤخذ القرارات بالتوافق، وإذا تعذر فبالتصويت، رافضاً البدع التي تُخترع للقبض على السلطة والهيمنة على الدولة.

وفي معرض حديثه، لا يستثني حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من مسؤوليته بشأن بعض الأخطاء التي حصلت، وذلك في ضوء ما يملك من حصانة أعطاه إيّاها القانون، والتي لا تعادلها أيّ حصانة أخرى، وهي حصانة أُعطيت له ليستطيع أن يقول “لا” للسلطة التنفيذية إذا كانت لا تحترم أصول الرصانة المالية. لكن في الوقت نفسه، يرفض السنيورة تحميل “الحاكم” تبعات كل هذه الجرائم، لأنّ برأيه الأخطاء تقع بالترتيب على عاتق الحكومات المتعاقبة والمجالس النيابية المتعاقبة، إضافة إلى دور مصرف لبنان، وكذلك تقع المسؤولية على المصارف، لجهة انجرافها وعدم رصانتها نحو إقراض الدولة بهذا القدر غير المتبصّر، وبالتالي مغادرة قاعدة توزيع المخاطر.

وختاما، أسف السنيورة لأن الوضع السنّي مشرذم، وكذلك الوضع المسيحي، لكن باعتقاده مهما بلغت الصعاب، لا بدّ من تصويب المسار: “فلا خيار لنا إلا بالعودة إلى إعادة الاعتبار والسلطة للدولة”. ويقول: “ليس لدينا وهم أنه بكبسة زر تعود الدولة، ولا يمكن أن تتم بمواجهة عسكرية مع “حزب الله”. وهذا لا يصح ولا يجوز ولا يؤدي إلاّ إلى المزيد من المشكلات. هناك حقيقة واحدة لا حلّ بدونها، أن لا مجال إلا بالدولة، وبسط سيادتها وسلطتها على كامل أراضيها، وباحترام الدستور واتفاق الطائف، وهذا سيتحقق عاجلاً أم آجلاً. ولهذا يجب على الجميع إدراك هذه الحقيقة والعمل من خلال عمل وطني جامع في هذا الاتجاه”.