نبض لبنان

الأعباء التي لا ينوء تحت حملها “الحزب”

كتب حازم الأمين في “الحرة”:

كاشف أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، اللبنانيين بأن “المقاومة” لا تحتاج إلى ضمانات من رئيس الجمهورية العتيد، وأن كل ما تريده من هذا الرئيس هو “عدم طعنها في الظهر”.

وأوضح أن “المقاومة” موجودة بضمانات ومن دون ضمانات، وأن حماية السلم الأهلي اللبناني تعني “عدم طعن المقاومة في الظهر”!.. وهذا تهديد غير ضمني للبنانيين، إلا أنه ينطوي على شفافية عهدناها بحسن نصرالله.

ما قاله نصرالله ليس جديداً، إنما جاء هذه المرة أكثر وضوحاً وشفافية، فـ”المقاومة” سابقة على الرئيس، وهي ثابتة بينما الرئيس متغير وخاضع لخيارات مقترعين ولظروف ولزمن ولحسابات، بل أن لبنان نفسه ليس حقيقة ثابتة بقدر ما هي “المقاومة” ثابتة.

وبحسب رؤية نصر الله، فقد زال الاحتلال ولم تزل “المقاومة”، وانهار لبنان ولم تنهر “المقاومة”، حتى أنها تحولت إلى نموذج يجري تعميمه في العراق وسوريا واليمن.

وفي هذا السياق يجري بحث عن سبيل لإخراج لبنان من الانهيار ومن الإفلاس ومن الفشل.

والغريب أن هذا البحث يجري بعيداً عن المعادلة التي أشهرها نصرالله في وجوه اللبنانيين، فهناك حل للأزمة الاقتصادية في ظل حزب مذهبي مسلح! .. وحل آخر للانهيار المالي في ظل تحول النظام المالي اللبناني إلى مغسلة أموال للمنظومة الإقليمية التي يندرج فيها حزب الله!.. ناهيك عن حلول لمكافحة للفساد في الوقت الذي يشعر فيه حزب السلاح أن أي اقتراب من المنظومة الحاكمة التي نهبت البلاد والعباد هو اقتراب منه سيواجهه بالقوة.

والبحث جار أيضاً عن حل للنظام الطائفي، من دون التطرق إلى حقيقة أن ثمة حزب طائفي مسلح!

حزب الله ليس المتسبب الوحيد بالانسداد اللبناني، إلا أن التفكير بمخرج من الكوابيس اللبنانية من دون البدء بهذا العائق الرئيسي هو هرطقة وتعليق ومماطلة.

وهذا ما كشفته كل التجارب، فالفساد مرهون بالسلاح طالما أن لهذا الأخير معادلاته، وذلك دعونا ننظر إلى وجوه الفساد في لبنان، وهي معروفة لكل اللبنانيين وغير اللبنانيين.. من الذي يحميها؟.. ومن يسيطر على الحدود والمطار والمرافىء والسلاح في محيط المطار، والقضاء والمخدرات.

من أين يمكن لمصلح أن يبدأ إذا ما لاح السلاح بوصفه حقيقة لا يمكن المس بها؟

والحال أنه وعلى رغم بداهة ما عرضنا، يجري البحث عن مخرج للانهيار اللبناني من خارج هذا المشهد! وتنغمس في البحث دول وهيئات أممية ودولية.

يريدون رئيساً للجمهورية في لبنان، ويعرفون أن لا رئيس من خارج خيارات حزب الله.

نصرالله واقعي في تحديده مواصفات الرئيس. ليست الانتخابات النيابية التي جرت هي ما يحدد هويته، بل “انتصارات” الحزب المسلح في لبنان وفي سوريا وفي العراق.

وهنا تظهر الوظيفة الفعلية للسلاح، وهنا حين يبدي نصرالله استخفافه بالرئيس يبدو واقعياً.

السلاح الذي تمتد “شرعيته” من البيان الوزاري الأول لحكومات ما بعد الطائف، والذي زين تفاهم مار مخايل بين حزب الله والتيار العوني، والذي يمنع إجراء تحقيق في انفجار المرفأ، ليس تفصيلاً يمكن تجاوزه في عملية البحث عن مخرج للانهيار اللبناني.

والانهيار ليس إلا تتويجاً لهذا المسار الطويل الذي حف به السلاح على مدى أكثر من ثلاثة عقود.

القعر الذي وصل إليه لبنان لم يعد يحتمل تخريجات من النوع الذي اعتمد سابقاً والذي قضى بالتعايش بين السلاح والفساد من جهة وبين انتظام عمل مؤسسات سياسية تولت إدارة حياة اللبنانيين.

فالسنوات الثلاث الفائتة شهدت ذروة فضائح هذا النوع من التسويات.. فهناك إدارة فاسدة لمرفأ بيروت تتولى رعاية مصالح حزب الله أفضت إلى انفجار دمر العاصمة.

وثمة نظام مالي غير شفاف وبعيد عن المحاسبة ومحمي بالسلاح أفضى إلى عملية سطو هائلة على مدخرات ثلاثة أجيال من اللبنانيين، ويتزامن ذلك مع نظام قضائي معلق بمصالح “المقاومة” أفضى إلى أكبر فضيحة قضائية في قضية انفجار المرفأ.

حزب الله يحتاج إلى هيكل ضعيف وهش لدولة تتولى تسيير مهامه وتخريج وظائفه، إلا أن مأزقه كبير لجهة استحالة تأمين ما كانت تؤمنه له الدولة قبل سقوطها الأخير.

لكن الحزب، وأمينه العام، لا يتصرفان بناء على هذه النتيجة التي انتهينا إليها، فهو يواصل ما كان دأب عليه طوال العقود الماضية.

بيد أن “الانتصارات” في الإقليم لا يمكن تصريفها في لبنان، لا بل أن نفوذه في لبنان، وهو صاحب النفوذ الوحيد فيه، تحول عبئاً في ظل الاستحقاقات الداخلية التي لم تواكبها مرونة من قبله.

للحزب في لبنان الجمل بما حمل، والجمل لا يحمل اليوم إلا فضيحة الانهيار، وسرقة القرن، والعتمة.

لكن في مقابل ذلك، لا يشعر الحزب بعبء هذه الأحمال، حاله كحال أنظمة الهلال الذي يضمه، فمن قال إن بشار الأسد يحمل عبء الجوع الذي يعيشه السوريون؟