نبض لبنان

“حالته ميؤوس منها”.. هل فَقَد أصدقاء لبنان الاهتمام به؟

كتب عماد الدين أديب في “أساس ميديا”:

سوف أطرح سؤالاً أرجو ألّا يجرح مشاعر أحبّائي وأصدقائي في لبنان، وهو: هل أصبح لبنان من دون أهميّة لدى اللاعبين الإقليميين والقوى الكبرى؟

الإجابة الصادمة عندي: تضاءل منسوب الأهمية الاستراتيجية للبنان على نحو لم يُعرف له مثيل منذ عام 1943.

بالنسبة إلى العالم كان لبنان مجموعة من العناصر ذات الأهمية، وهي:

1- نموذج التسامح الطائفي والقدرة على التعايش الإنساني.

2- تجربة سياسية فيها قدر من الديمقراطية لا مثيل له في المنطقة العربية.

3- تجربة يتمّ فيها تداول السلطة بسلاسة وسلمية.

4- أوّل دولة رئيسها مسيحي ماروني.

5- منارة الشرق في التنوير وحرّية النشر ومساحة التعبير.

6- استراتيجياً كان يمثّل لبنان خطراً في زمن الوجود الفلسطيني ثمّ المقاومة التي قادها حزب الله. وكان دائماً لدى الإسرائيليين خطر الوجود الأمني السوري.

خسر لبنان، للأسف، كلّ الميزات النسبية التي تجعله منارة الشرق في حرّية التفكير والتعبير والاستثمار

والآن ما هي الصورة في الواقع؟

خطر حقيقي من حزب الله الذي احترم الاتفاقات الدولية على الحدود ولم يخرقها مرّة واحدة.

منذ خرج النظام الأمنيّ السوري لم يعد هناك وجود عسكري منذ عام 2006.

هناك قيود واضحة على حرّية التعبير وتمّ استخدام القضاء أو الاغتيالات لإسكات الأصوات.

تكرّست الطائفية بشكل غير مسبوق، وهناك تقسيم غير معلن للبلاد والعباد، فالدروز في الشوف، والثنائي الشيعي حزب الله ـ حركة امل يتوزعان من الضاحية إلى الجنوب فالبقاع ثم بعلبك ـ الهرمل، والمسيحيون من المتحف إلى المدفون وبينهما جبل لبنان الشمالي المعروف بالمتن الشمالي.

لم يعد لبنان المكان الآمن للاستثمار وإيداع النقود بعد الكارثة التي حلّت بالمصارف قبل ثلاث سنوات وما زالت مستمرّة.

باختصار لقد خسر لبنان، للأسف، كلّ الميزات النسبية التي تجعله منارة الشرق في حرّية التفكير والتعبير والاستثمار.

باختصار إذا أودعت مالك صودر من غير رجعة، وإذا تكلّمت أصابك كاتم الصوت، وإذا بحثت عن مكان لا تُضطهد فيه بسبب طائفتك أو مذهبك أو دينك فعليك أن تبحث عن عاصمة أخرى غير بيروت.

قد يقول لي قائل إنّ العالم لا يمكنه الاستغناء عن لبنان.

الإجابة صريحة واضحة: نعم تمّ الاستغناء!

تأمّل السنوات الأربع الماضية: أين كان الاهتمام؟ أين المساعدات؟ أين الاستثمار؟ أين السياحة؟ربعأربعأ

ما يستوقفنا هو دور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومحاولاته الفاشلة للإصلاح والإنقاذ، وهو دور كان يبحث فيه عن انتصار خارجي قبيل الانتخابات الرئاسية، خاصة أنّه كان يواجه أزمات داخلية ما زالت مستمرّة.

أمّا الاهتمام الثاني فتمثّل في التحرّك الأميركي الأخير في مسألة ترسيم الحدود البحرية.

في هذا المجال يجب أن يدرك الجميع أنّ التحرّك الأميركي المحموم كان يهدف إلى تأمين مصالح إسرائيل الغازية وتأمين حدودها البحرية.

ولو كان لبنان يواجه أزمة في ترسيم حدوده مع سوريا أو قبرص لما ظهر الوسيط الأميركي أبداً.

أموال” سيدر” لم تعد متوافرة، ومؤتمر أصدقاء لبنان لا رغبة له في العودة إلى الاجتماع.

بعد عدّة أزمات مع دول الخليج، وتحديداً السعودية، لم تعد الرياض مهتمّة بإنفاق ريال سعودي واحد على دعم لبنان، إذ كيف لها أن تدعم مشروعاً ينتهي إلى الإضرار بمصالحها أو التهجّم على سمعتها وسياساتها ويسعى إلى تصدير المخدّرات إلى بلادها؟

حتى الذين يحاولون مساعدة لبنان يعانون من إمكانية تقديم هذه المساعدة، فها هي مصر تحاول عبر الأردن وسوريا إيصال الكهرباء إلى لبنان لإنقاذه ومساعدته على تخطّي أزمة الطاقة الضاغطة التي يعاني منها، لكن في كلّ مرّة تظهر عقبات غير مفهومة وغير مبرّرة!

لا يريد لبنان تشكيل حكومة ملتزمة بالقواعد الدولية كي يحصل على مساعدات سيدر، ولا يريد الحصول على الكهرباء من مصر، ولا يريد رئيساً الآن، وهو سعيد بحكومة تصريف الأعمال.

لبنان سعيد باستمرار أزمة المصارف وضياع ودائع المودعين وبقاء مستقبلها في المجهول.

لبنان لم يُجِب على عشرات الأسئلة التي تمثّل أبشع حالة من الحقّ الضائع: من قتل رفيق الحريري ورفاقه؟ من قتل وسام الحسن؟ من قتل لقمان سليم؟ من تسبّب في حادثة المرفأ؟ ومن ومن ومن؟

 

قال لي مسؤول خليجي: حالة لبنان ميؤوس منها “Hopless Case”.

على عكس ما يتوقّعه ميشال حايك وليلى عبد اللطيف فإنّ المنطق والواقع لا ينبئان أبداً بعام إصلاحات أو بعام خير أو سعادة.

أعتذر بشدّة، إذ كان بودّي أن أنقل إليكم رؤية مضيئة، وأتوقّع صورة سعيدة للبنان الحبيب، لكن يبدو أنّ لدى ساسة لبنان قراراً يوميّاً صارماً يقول: نقسم بالله العظيم أن ننتحر سياسياً ونلاعب الخطر أمنيّاً، ونفقر البلاد والعباد ماليّاً.