نبض لبنان

أبي المنى: الاستحقاقات تدقّ الأبواب في شبه حرب وجودية

رأى شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي ابي المنى أن “الوطن يئن من الفساد والانهيار وتتجاذبه القوى والمصالح من هنا وهناك، والاستحقاقات المصيرية تدق على الأبواب في شبه حرب وجودية، ولعبة الشارع وحمل السلاح شأن خطير يهدد المجتمع والوطن والعيش المشترك، إذا ما لم تضبط على مستوى الوطن كله، والدولة شبه عاجزة عن حزم الأمر وحسم القرار”.

جاء كلام ابي المنى خلال لقاء اقيم الجمعة في بلدة شانيه، للتشاور في قضايا مختلفة على المستويين الروحي والعام، بمشاركة عدد كبير من المشايخ من مختلف المناطق.

وقال: “نرحب بكم فردا فردا، وعلى بركة الله نبدأ وبه تعالى نستعين..واضعين نصب أعيننا المسؤولية الملقاة على عاتقنا من سلفنا الصالح، من مشايخنا الأجلاء وأعلامنا الأفاضل الأبطال على مر التاريخ، وحاملين في عقولنا وقلوبنا تراث أهلنا الزاخر بسير التقوى ومواقف العزة والكرامة، ومتطلعين إلى حاضرنا المكتظ بالتحديات والاختبارات، وإلى مستقبلنا المتعطش أبدا لرحمة خالقنا الكريم، والمحصن بإذن الله برجاحة العقول وثبات العقيدة وهمم الرجال الرجال. لقاؤنا ديني روحي إنساني تشاوري توجيهي، رحبنا به واحتضناه بدافع المحبة والأخوة التوحيدية والغيرة المعروفية، إذ هو ليس لقاء سياسيا أو سعيا هادفا لتشكيل تنظيم حركي، إنما هو لقاء أخوي جامع تنادت للدعوة إليه مجموعة من الإخوان الأكارم، وما المدعوون إليه إلا نخبة من الأخوة المشايخ المختارين من مختلف المناطق، ولكن هذا لا يعني إطلاقا ان الحاضرين معنا اليوم يختصرون جميع الأخوة والأحبة، وهم كثر” .

واضاف شيخ العقل: “مواقع التواصل حفلت بالسجالات والمخالفات والاتهامات والتجريح والآراء المتناقضة وربما بالبطولات الوهمية ومحاربة طواحين الهواء من هنا وهناك، وأصبحت مساحة مفتوحة للانفتاح والسجال والنشر والتواصل، الإيجابي أو السلبي، فيما إمكانية ضبط المواقع تحتاج إلى حكمة عالية وجهد بالغ وخبرة تقنية رفيعة. ولعبة الشارع وحمل السلاح شأن خطير أصبحت تهدد المجتمع والوطن والعيش المشترك، إذا ما لم تضبط على مستوى الوطن كله، وحجة مقابلة الشيء بمثله تطغى على أي منطق أو قانون، فيما الدولة شبه عاجزة عن حزم الأمر وحسم القرار”.

وتابع أبي المنى: “كيف نتصرف؟ وأي طريق نختار؟ أنختار الفوضى أم نختار النظام؟ أنختار الدويلة أم نختار الدولة؟ أنختار الانغلاق أم نختار الانفتاح؟ نحن كنا دائما مع النظام والدولة والقانون والمؤسسات، ولا يليق بنا إلا ذلك، شرط أن تحفظ الدولة حقوقنا وكرامتنا، كما حقوق كل مواطنيها وكرامتهم، وألا تكون منحازة ظالمة وغير عادلة. وهنا تكمن الحكمة في التعاطي وتبرز الحاجة لإقامة التوازن بين الحق الخاص والحق العام، كما بين الحزم والمرونة، وبين المواقف الشجاعة والروية والتبصر بعواقب الأمور، ولو كنا نعلم الغيب والنتائج لاخترنا السبيل الأقرب إليها، ولكننا نعمل بحدود ما نعلم، ونسعى إلى الغاية الأمثل بنية طيبة وإرادة صلبة ورؤية توحيدية لا غبار عليها، ونتوكل دائما على الله سبحانه وتعالى، فهو المعين النصير، وكلنا واحد للقيام بالواجب ولتحقيق ما نصبو اليه”.

كما أردف: “عقيدتنا التوحيدية وقيمنا الأخلاقية وتاريخنا البطولي حافز لنا لسلوك دروب الطهارة والتقوى وطرق الخير والمعروف ومراقي الأخوة والإلفة والمحبة. وما تعلمناه من مشايخنا الأجلاء وسلفنا الصالح يحثنا على السير قدما، والارتقاء بمسيرتنا التوحيدية درجة درجة، ومن مهمة إلى مهمة، ومن واجب إلى واجب، تماما كما يترقى المتقون المسافرون في درجات التعاليم من الاجتناب إلى الاكتساب، ومن مستوى التخلي عن العلائق الدنيوية والشهوات والشبهات إلى مستوى التحلي بالخصال التوحيدية والفضائل الخلقية والنفسية، فإلى مستوى التجلي والصفاء والنقاء، واعلموا إخواني أن تلك المسيرة هي التي تنقل الموحد من درجة الطلب والاسترشاد إلى درجة الإيمان والهداية، فإلى درجة المعرفة والاستئناس، جعلنا الله وإياكم من أهلها العارفين السعداء الذين يأنسون بطريق الحق ولا يرضون عنها بديلا”.

وأكمل قائلًا: “إخواني إن سلوك الطريق يقتضي جملة خطوات ومبادرات، أهمها:

– البدء بإصلاح الذات، بتنقيتها من الشوائب وتغذيتها بالفوائد العقلية والروحية، وترويضها بالعمل الصالح والسلك الشريف، وضبطها بالأوامر والنواهي والالتزام بالقواعد الأخلاقية والمبادئ الاجتماعية والإنسانية، والقاعدة الأساسية في كل ذلك هي الخصلة التوحيدية الأولى، أي الصدق، والصدق من الإيمان كالرأس من الإنسان.

– حسن التعامل والتعاطي مع الإخوان وأبناء المجتمع الذي نعيش فيه، أولا بأول، بدءا من العائلة الصغرى وصولا إلى العائلة الكبرى، وينطبق ذلك اليوم على من نتواصل معهم ونلتقيهم كذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الذي يقضي ولوجها عدم التخلي عن مخاطبة الناس ومعاملتهم بالتي هي أحسن، وفي هذا التعاطي الإيجابي مع الناس تأكيد على ثاني الخصال التوحيدية، أي حفظ الناس والإخوان.

– إقامة التوازن العقلاني المطلوب بين ما هو فرض لازم وما هو فرض متعد، فالفرض اللازم يقضي أولا بتطهير النفس وتقوية الإيمان والتزام التقوى، وهذا الواجب اللازم لا يعني أبدا التنكر للواجب الاجتماعي والحضور الوطني، فمشاركتنا الاجتماعية واجب، والتعاون مع الآخرين واجب، والعمل الحثيث لتحصين المجتمع واجب، والدفاع عن الكرامة والأرض والوجود واجب”.

واشار شيخ العقل الى أننا “نعيش اليوم عصر السرعة في التحديات، ففي كل يوم مستجدات ومتغيرات، ومع كل تحد تتعاظم الحاجة لتثبيت العقيدة ومواجهة التحدي بالوعي والحكمة والتقوى والشجاعة وشحذ الإرادة وشد الأزر وتقوية أواصر المودة والأخوة في ما بيننا، ولأن التحديات لا تتوقف والمتغيرات إلى ازدياد، ولأننا عاقدون العزم في موقع المسؤولية التي شرفتمونا به، وحريصون كل الحرص على كرامة آبائنا وإخواننا وأبنائنا وعلى كرامة أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا، حرصنا على مجتمع الخير الذي نسعى إليه وعلى وطن الأجداد الذي يتوجه جبلنا المعروفي بجلاله وجماله، وتزينه قرانا الشامخة بوداعتها وصلابتها، فإننا نرى أنه من واجبنا أن نعمل على تعزيز التفاهم والتشاور بيننا، ومع مشايخنا الأجلاء المتفهمين لهذا الواقع، والمتعاونين على التصدي له بوعي وحزم وتلاق أبعد من حدود الأنانية أو الشخصانية أو المناطقية أو الغرضية أو التعصب الأعمى”.

وختم ابي المنى: “العالم القريب والبعيد يضج بالصراعات ويتسابق على امتهان الكرامات وسرقة الثروات، والوطن عندنا يئن من الفساد والانهيار وتتجاذبه القوى والمصالح من هنا وهناك، والاستحقاقات المصيرية تدق على الأبواب في شبه حرب وجودية، وبعض الناس غافلون غير مبالين، وبعضهم تائقون إلى التغيير، وبعضهم معتكفون ممتعضون، والعولمة تكاد تجتاح كل شيء، حتى الإيمان من القلوب، والأخلاق والقيم والفضائل الإنسانية، والمجتمع التوحيدي يكاد بعض أبنائه أن ينجرف مع التيار، سوى أولئك “الأجاويد” الأبرار المتمسكين بصحة العقيدة وحسن الولاء، والقابضين على إيمانهم بالرغم من كل أمر”.