جاء في “المركزية”:
يشبه ما حصل أمس في منطقة باب التبانة في طرابلس كل شيء إلا إشكالا بين عائلتين! فطبيعة المعركة التي حصلت في منطقة يفترض أن تكون خاضعة لخطة أمنية منذ 8 أعوام والعنف الذي مورس من قبل مسلحي العائلتين وطريقة الغدر التي استعملت للثأر -إذا صح التعبير- وكمية الرصاص والمتفجرات التي استعملت خلال “الإشكال” الذي استمر حوالى الساعتين وأسفر عن مقتل طفل وشاب… كلها تدل الى أن الإشكال أكبر من قلوب مليانة.
بيان قيادة الجيش كان واضحا: “اشكال بين عائلتين في منطقة التبانة -طرابلس تطور الى اطلاق نار ما ادى الى اصابة الطفل (م.س) الذي نُقل الى احد المستشفيات لكنه ما لبث ان فارق الحياة، وعلى الاثر اقدم عدد من الشبان على اطلاق النار عشوائياً في المنطقة وحرق احد المحال التجارية، ما ادى الى اصابة المواطن ( ع. ق. ا) الذي فارق الحياة، كما اصيب كلٌ من (ب. ص) و( ف . ع) و( ا . ق)… ويختم البيان “نفذت قوة من الجيش عملية دهم لتوقيف مطلقي النار وأوقفت المواطن (ا.ع) وتجري المتابعة لتوقيف باقي مطلقي النار. وتمت اعادة الوضع الى طبيعته وبوشرت التحقيقات باشراف القضاء المختص”. وهنا اللغز!
فالكلام عن عودة الحياة الطبيعية بعد كل إشكال دموي يحصل في طرابلس يتكرر منذ 8 أعوام. اليوم ثمة إشكالية أكثر حساسية وتتعلق بأن ما سمي بإشكال كاد أن يكون مؤشرا لمعركة مفتوحة حصل عشية الإنتخابات النيابية المقررة في 15 أيار وفي دائرة تصدرت عدد لوائح المرشحين. فهل يكون مجرد إشكال وانتهى؟ وهل روت دماء الطفل (م.س) الذي سقط في الكمين فيما كان عائدا مع والده من عكار حيث كان يؤدي صلاة العصر في أحد جوامعها مشاعر ثأر العائلتين؟ وهل أسكتت زفرات الشاب (ع.ق.أ) الذي سقط غدرا برصاص المسلحين فتيل جولات العنف في طرابلس؟
مواقف النائب السابق مصباح الأحدب تتردد بعد كل جولة عنف وإشكال تبدأ من الخطة الأمنية ولا تنتهي عند التحذير من الأسوأ في حال استمر الوضع الأمني في طرابلس على ما هو عليه. ويقول عبر “المركزية” : “في كل مرة يحصل إشكال ما يكاد أن يكون أقرب إلى جولة عنف جديدة لتعود وتهدأ الأمور في الظاهر. لكن إشكال الأمس يؤشر إلى أن الأمور خرجت عن طورها خصوصا أنه وقع في شهر رمضان المبارك وفي منطقة يفترض أن تكون خاضعة لخطة أمنية وبحماية آليات الجيش اللبناني التي تتواجد بشكل دوري في المنطقة. لكن الواضح أن المطلوب ليس فقط توقيف مسلحين وتأمين حماية الأهالي والمؤسسات ومصالحهم التجارية إنما سحب السلاح من أيادي المجموعات المغطاة من قبل سياسيين نافذين يستفيدون من واقع الفقر وحاجة الأهالي بحيث يمدونهم بصناديق الإعاشات والسلاح والذخائر بدلا من تأمين فرص العيش الكريم للأفراد والعائلات”.
يشبه الأحدب طرابلس ب”المنصة المتقدمة لما يمكن أن يحصل في لبنان”. ويقول: “في 17 تشرين الأول 2019 نزل حوالى 120 ألف شخص إلى ساحة النور لكن عيون السياسيين رفضت أن تأخذ هذا الحراك في الإعتبار وخرجوا من الشارع كما نزلوا إليه… معدمين! “.
الإكتفاء بالوقوف والبكاء على الأطلال والإكتفاء بالسؤال عن مصدر الأموال والسلاح والرصاص والقذائف ما عاد يجدي نفعا في لحظة مصيرية والكل يعلم أن أرض طرابلس تنضح بالجولات وتؤشر ربما لاندلاع فتيل عمل أمني ما من شأنه أن يؤجل الإنتخابات نزولا عند رغبة غير المستفيدين والخاسرين. إنطلاقا من ذلك يشدد الأحدب على ضرورة سحب “المافيات من مؤسسات الدولة” وبذلك تصبح الأجهزة الأمنية قادرة على بسط سلطتها بتجرد عن كل المحسوبيات السياسية إضافة إلى اتخاذ قرارات حاسمة منها سحب مجموعات سرايا المقاومة الموجودة في المنطقة بحجة وجود عناصر من تنظيمات أصولية وهذا غير صحيح”. ويضيف مؤكدا أن “المطلوب اليوم يصعب تحقيقه لأننا على أبواب انتخابات نيابية لكن كان من الأجدى أن يسحب الشعب الغطاء الشرعي عن هذه السلطة السياسية قبل النزول إلى صناديق الإقتراع”. ويختم الأحدب “إشكال الأمس انتهى في الظاهر لكن لا شيء يمنع من تكراره طالما أن السلاح لا يزال موجودا في أيدي مافيات السياسيين وهو يشكل فتيلا لتفجير الأرض في لحظة ما ومكان ما، وقد تكون طرابلس البداية أو منطقة أخرى. من هنا المطلوب إيجاد حل شامل وإطلاق يد الأجهزة الأمنية والجيش اللبناني ليقوم بواجبه في حماية الناس والعباد بدلا من تحويله إلى حارس لحماية المافيات”!.
يؤكد مراقبون أن كلفة الرصاص الذي أطلق يوم أمس على مدار ساعات، كانت كفيلة بتغطية الكثير من حاجيات أهالي التبانة في شهر رمضان المبارك، فما هي الرسالة من تحريك فتيل العنف عشية إقفال باب تسجيل اللوائح والانطلاق بالحملات الانتخابية؟.
يكشف الكاتب السياسي محمد الأيوبي أن ما حصل في الأمس هو بمثابة مؤشر خطير نظرا إلى حدة المعركة وكمية الذخائر التي استعملت كما يؤكد على وجود دعسة ناقصة في تطبيق الخطة الأمنية التي اقتصرت على توقيف قادة المحاور في الماضي والمسلحين في كل إشكال يحصل في حين أن المطلوب سحب السلاح وعدم التساهل أيا تكن الذرائع وخلفيات المسلحين”. وفي حين أسف للكمين الذي تعرض له أفراد أسرة الطفل الذي سقط ضحية الإشكال خصوصا أنه جاء في شهر التسامح أكد أن ثمة قرارا بعدم إقحام الجيش في الصراعات الداخلية تفاديا لسقوط ضحايا في صفوفه أو ضحايا برصاص الجيش. لكن مع وصول الأمور إلى هذا الدرك الخطير بات من الواجب اعتماد خطة أمنية رديفة تقوم على تجريد مدينة طرابلس من السلاح وتوقيف المسلحين والمخلين بأمن المنطقة”.
وقبل أن يختم كلامه، خبر أمني عن إشكال مسلح وقع بين عائلتين في منطقة حارة “البرانية” في طرابلس أسفر عن وقوع جريح من آل الحولي وتم نقله إلى أحد مستشفيات المنطقة وهو في حال حرجة. فهل يكون “ثأر العائلات” عنوان جولات العنف في طرابلس عشية الإنتخابات النيابية؟