نبض لبنان

هل يعود صندوق النقد بشيء إلى واشنطن؟

جاء في “المركزية”:

تعددت الروايات والسيناريوهات التي تحاكي عمل فريق صندوق النقد الدولي الذي يزور لبنان للمرة الثالثة من اجل الحوار المباشر مع الوفد اللبناني المفاوض ولقاء كبار المسؤولين اللبنانيين وفق تصنيف يعتمده الصندوق لممثلي الشعب اللبناني بجميع مكوناته وفئاته وعلى قاعدة تشمل من يمثل الفئات اللبنانية الرسمية منها، كما السياسية والحزبية والجمعيات الشبابية والمجتمع المدني. فقواعد السلوك المعتمدة في إدارة الصندوق لا تسمح باتخاذ اي توصية او قرار ما لم تجمع عليها مختلف السلطات الدستورية التشريعية والتنفيذية كما القطاعات اللبنانية كافة. فموافقتهم المسبقة مطلوبة بالإجماع ضمانا لتنفيذ ما يتقرر، وخصوصا عند الوصول الى مرحلة الإقراض للتأكيد على قدرة لبنان على سداد القروض والديون الجديدة، فلا تلقى مصير الديون السابقة والتعثر في سدادها بما يتوجب على الدولة اللبنانية من التزامات مالية هائلة في الكثير من المجالات وتحديدا تجاه الديون الخارجية ومنها مصير “سندات اليوروبوند”.

وانطلاقا من هذه القاعدة الثابتة، غصت الصالونات بالروايات التي نسجت نقلا عن مسؤولي الصندوق، بما لا يحتمله احيانا عندما عبر البعض عن مواقف مرحبة واخرى منتقدة في ما احتفظ مسؤولوه بالإشارة الى العموميات في توصيف مهمته وما حققته في لبنان. فهو – وفي ظل ما رغب بتسريبه البعض عن محادثاته – اكتفى في بيان رسمي أصدره في أعقاب سلسلة لقاءاته مع رئيس الجمهورية ورئيسي المجلس النيابي والحكومة ومجموعة من الوزراء المتخصصين في حقائب الاقتصاد والمالية والشؤون الاجتماعية والهيئات الاقتصادية والنقابية بالإعلان عن “إحراز مزيد من التقدم في المحادثات مع لبنان”. وأشار إلى رغبته “في التوصل إلى اتفاق مع السلطات اللبنانية وإن بقي “عمل مهم” يتعين القيام به، منتهيا الى تحديد مهمته الحالية بـ”صوغ برنامج إصلاحي يساعد لبنان والشعب اللبناني”.

وانطلاقا من هذه المؤشرات تحدثت مراجع مطلعة على مهمة الوفد لـ”المركزية”، فلفتت الى ان وفد الصندوق عبر عن جدية مطلقة في محادثاته. وكان جازما في الكثير مما هو مطلوب من لبنان لتقديم الإشارة التي تسمح له بالسير على طريق التعافي والإنقاذ وهو ما لم يتوفر الى اليوم. واضافت: ان الوفد لا تنقصه المعلومات حول حجم الخلافات بين اللبنانيين في مقاربة الأزمة القائمة بكل تفاصيلها. فهم يدركون بأن اللبنانيين ما زالوا على انقساماتهم تجاه بعض الخطوات الجديدة المدرجة على لائحة الإصلاحات على انواعها، وخصوصا تلك التي توفر قاعدة للانطلاق في المحادثات باتجاه مسيرة الإصلاح والتغيير المطلوب في الكثير من القطاعات ولا سيما المالية منها والادارية والقضائية ضمانا لقواعد الحوكمة الصحيحة التي تضمن التعاون والتنسيق بين المؤسسات الدستورية في لبنان من اجل خوض غمار المرحلة المقبلة ووقف كل اشكال التنافر التي عبروا عنها أمام اعضاء الوفد ومن خلال رصد مواقف اللبنانيين مما هو مطروح.

وعليه، وان دخلت هذه المراجع في التفاصيل، قالت إن الصندوق قرأ بكثير من القلق عدم قدرة الوفد المفاوض على تقديم ورقة متكاملة تشكل مادة لوثيقة تحدد آلية السعي الجاد الى خطة التعافي، ولذلك فقد عرض منذ زيارته الاخيرة بان يلعب وفد الصندوق دور “الوسيط المسهل” بين القيادات اللبنانية وإرشادها إلى المخارج التي يمكن ان يتوفر حولها الإجماع الذي ما زال مفقودا. فكان عليه ان يتحقق من بنود “الورقة الاصلاحية” المقترحة خطوة خطوة لاعادة بنائها من جديد. وهو ما يفسر سقوط مشاريع الأوراق السابقة التي أعدت تحت عنوان “خطة التعافي المالي والاقتصادي” من اجل توزيع الخسائر بشكل منطقي وعادل يعكس حجم المسؤوليات عما وصلت إليها البلاد. كما بالنسبة الى مجموعة المشاريع التي طرحت للبت بقانون “الكابيتال كونترول” الذي لم ير النور بعد، بفعل الخلافات حول الكثير مما هو شكلي بالإضافة الى الأساسي المتعلق بالآلية المعتمدة في تحديد أولويات الخطوات التي تقود الى الانقاذ بطريقة قد تنتج قانونا بـ “مواصفات لبنانية” لم تعتمدها اي دولة في العالم عاشت أزمة مماثلة.

وعليه، لفتت المصادر الى إن ما اكتشفه وفد الصندوق في الفترة السابقة جعله يبدل في استراتيجيته، وهو يسعى بكامل قواه الا يعود الى مقر الصندوق هذه المرة، من دون الحصول على خطة جديدة تعزز موقع لبنان عند طرح مطالبه الملحة على الدوائر التنفيذية في الصندوق من اجل مساعدته على تجاوز الخطوات الصعبة المطلوبة ووقف الانهيار المحقق وسلوك الطريق القويم الى الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي واعادة الحركة الطبيعية الى البلاد بعد ضمان استقرار سعر صرف الدولار والعملات الاجنبية والحد من غلاء الاسعار الهالكة للبنانيين والتي انعكست فقدان أصناف من المواد الغذائية و المحروقات والقمح والادوية بعد انتفاء وجود الطاقة الكهربائية وغلاء الخدمات المتوفرة بحدها الادنى.

ولم تكتف المصادر بتوصيف أداء الوفد، ولفتت الى أنه يسعى وقبل ان يعود منتصف نيسان الجاري الى ان يحمل معه شيئا ما، فكان الإختيار ان ينال من اللبنانيين قانون الكابيتال كونترول، وهو ما دفع به الى الواجهة بين ليلة وضحاها، وبات امرا ملحا سواء كان برغبة من الصندوق او عدمها. فقد شكل برأي الوفد مدخلا الى باقي الاصلاحات التي لا يمكن مقاربة العديد منها قبل عبور محطة الانتخابات النيابية وتشكيل الادارة الجديدة وخصوصا ان البلاد على مسافة اشهر قليلة لاختيار رئيس جديد للجمهورية، بعد حكومة انتقالية تدير الفترة الفاصلة بين ولادة السلطة التشريعية وتسلمها مهامها في 22 أيار المقبل وولاية الرئيس العتيد للجمهورية التي تبدأ في الأول من تشرين الثاني المقبل.

وعلى وقع هذه القواعيد، يجري أعضاء الوفد جولته هذه على ان يغادر بيروت منتصف الجاري، ليعود إليها في الولاية الجديدة لمجلس النواب وقبيل الانتخابات الرئاسية وهو لا يريد العودة الى واشنطن خالي الوفاض. فهو ان حمل معه القانون الجديد للكابيتال كونترول يكون قد حقق انجازا ولو بسيطا ومحدودا فهو يراهن بالبناء عليه في المرحلة اللاحقة. وعليه طرح السؤال هل سيتجاوب المجلس النيابي في وقت قريب مع هذه الرغبة بإصدار القانون الجديد ام انه سيطيل بتردده عمر الأزمة وتداعياتها؟