نبض لبنان

“ثأر العشائر”.. هل يبحث حزب الله عن 7 أيار جديد؟

مرصد مينا – هيئة التحرير

شهدت بلدة خلدة جنوب بيروت أجواء “حرب مفتوحة”، بعد اندلاع اشتباك بين عناصر من “حزب الله” والعشائر العربية “عرب خلدة” أدت إلى سقوط قتلى وجرحى، أثناء تشييع “علي شبلي” احد مسؤولي “سرايا المقاومة”، الذي قتله شخص من عشائر العرب، ثأراً لمقتل أخيه “حسن غصن: في آب من العام 2020  .

مصادر أمنية لبنانية أكدت أن “سبعة أشخاص، بينهم أربعة من عناصر حزب الله، قتلوا في الحادثة، ووصلت قوة من الحزب وصلت إلى المكان لفك الطوق عن المحاصرين من المشيعين الذين كانوا يتعرضون لإطلاق نار، واستقدم الجيش تعزيزات وأعاد الهدوء إلى المنطقة بعد تهديده بإطلاق النار على أي مسلح”.

البداية والتفاصيل..

وسائل اعلام لبنانية ذكرت أن ميليشيات “حزب الله” أعطت الأجهزة الأمنية مهلة غير مفتوحة لتسليم المتورطين بأحداث خلدة، لافتة إلى أنه “لدى تشييع عائلة شبلي واقاربه في منزله في خلدة، وقبل نقله الى مسقط رأسه في كونين الجنوبية ليدفن اليوم، تعرض موكب التشييع الى إطلاق نار وأدى الى سقوط قتيلين إضافيين”.

وكانت منطقة خلدة اللبنانية شهدت، في آب 2020، اشتباكات بين عناصر ينتمون لـ”حزب الله” ومقاتلين محليين من العشائر العربية، أسفرت عن مقتل شخصين، أحدهما حسن غصن (14 عامًا) من عشائر عرب خلدة، وجرح آخرين من الطرفين.

بدورها، قالت عائلة “حسن غصن” وعموم العشائر العربية في بيان لها: إنها “فوجئت بأن موكب تشييع القاتل وبدلا من أن يسلك طريقه مباشرة إلى الجنوب، عرج بشكل مفاجئ على منطقة خلدة، اذ أقدمت زمرة من المشيعين المدججين بالسلاح على إطلاق النار في الهواء بشكل استفزازي ومقصود، رافقه تمزيق صورة كبيرة للشهيد حسن غصن كانت معلقة في ساحة حي العرب، ولم يكتفوا بذلك بل أمطروا أهلنا ونساءنا وأولادنا بسباب وشتائم يندى لها الجبين، الأمر الذي روع أبناء العشائر العربية وأدى إلى تفلت زمام الأمور وخروج الوضع عن السيطرة”.

ونفى بيان العشائر عدم صحة ما تروجه بعض وسائل عن كمين نصب لموكب التشييع”، بينما أظهر شريط فيديو عناصر من الموكب وقد توقفوا في إحدى ساحات المنطقة اذ توجد صورة الشاب “حسن زاهر غصن”، الذي قتل العام الفائت، فنزعوها.. وعندها بدأ إطلاق النار، ما أدى إلى سقوط 5 قتلى وعدد من الجرحى، عرف منهم صهر شبلي، الدكتور محمد أيوب والمسؤول في حزب الله علي بركات.

يشار إلى أن عدة تسجيلات مصورة انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في 31 من تموز، تظهر المقاتل في “حزب الله” أثناء تعرضه لعدة طلقات نارية في حفل زفاف، بينما لاذ القاتل بالفرار، وذكر ناشطون لبنانيون، أن مطلق النار على “شبلي” هو الشاب “أحمد زاهر غصن”، شقيق “حسن” الذي قتل في اشتباكات في خلدة، العام الماضي، وتم إلقاء القبض عليه وتسليمه إلى مخابرات الجيش اللبناني.

وأكدت وسائل الاعلام أن “مطالبات عديدة أجراها ذوو الطفل لتسليم الشبلي من قبل حزب الله، إلا أن الحزب رفض ما دفع عشيرة الطفل إلى أخذ حقهم بشكل شخصي”، ونقلت عن العشائر أن “أصحاب الثأر مع الشبلي، يعتبرون القتل عينًا بعين، ولا يتجاوز ذلك، ومقتل الشبلي يعتبر حادثة ثأرية لا أكثر، وتوضع في يد القضاء اللبناني”.

العشائر وسلاح “حزب الله”..

تبعيات حادثة “خلدة” وصلت إلى البقاع، إذ أكدت مصادر مطلعة  لـ”مناشير” أن “حزب الله اوعز الى مشايخ العشائر في بعلبك والهرمل، لأن يصدروا بياناً عالي اللهجة يسقطوا بموجبه صفة عشائر عن عرب خلدة وأطلقوا عليهم صفة (النور) محدد العشائر التي يطلق اسم العشائر بـ ( آل شمص، آل زعيتر، آل جعفر، آل حمية، آل عساف، آل الحاج حسن، آل المصري، آل مظلوم، آل طليس، آل طفيلي، آل نصر الدين)”، لافتة إلى أن “هذه إسماء يقال عنها عشائر تاريخهم وافعالهم عشائر، أما من يسمون انفسهم عشائر عرب هم نور وعرب رحل لا يمتون للعشيرة بصلة”.

واعتبر بيان عشائر بعلبك والهرمل ان “العشائر لا تخون فلسطين ولا تبيع القضية للصهاينة، وعشائر بعلبك مقاومون” الامر الذي أثار حفيظة العشائر في بعلبك والبقاع الاوسط والغربي، لأن عشائر خلدة امتداد لهم ولا يمكن فصلهم، مطالبين بإطفاء نار الفتنة المشتعلة.

في المقابل، قال “اتحاد أبناء العشائر العربية” في لبنان في بيان لها: إن “ما يحصل الآن في منطقة خلدة جنوب العاصمة بيروت سبق وحذرنا منه، وبقينا خلال عام ونحن نناشد ولم نوفر جهدا لعدم دخولنا في معركة لا ناقة لنا فيها  ولا جمل لنا وكنا نرفض بأن ندفع فاتورة معركة سلاح حزب الله””.

وأضاف البيان: “هنا نتوجه لقيادة الحزب ما زال لدينا الوقت لتفويت الفرصة ووأد الفتنة والاحتكام للغة العقل والقانون لن ندخل بالتفاصيل ولدينا الوقت لاحقا إنما يجب علينا الجميع التحلي بالصبر وايقاف الفتنة في ظل الظروف الراهنة والفتنة الإعلامية لا نتمنى ولم نكن دعاة حرب وليس بمقدورنا ضبط الشارع في باقي المناطق وعلى امتداد مساحة الوطن أمام الإعلام المظلل ومواقع التواصل الاجتماعي التي تتناقل الاخبار الكاذبة والمحرضة على الفتنة”، مطالباً “”قيادة الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية والقيادة الروحية والسياسية التدخل السريع لوقف الفتنة قبل فوات الأوان وخروج الأمور عن السيطرة”.

إلى جانب ذلك، علقت “رولا الطبش” النائبة عن “تيار المستقبل” في البرلمان اللبناني على وصف أحد نواب “حزب الله” مطلقي النار في حادثة خلدة بـ”العصابات”، مؤكدة أن “العشائر ليسوا عصابات بل هم من أهلنا”.

وأكدت “الطبش” أن “الإسعافات كانت مدججة بالسلاح خلال تشييع علي شبلي في خلدة، وعلى القضاء أن يأخذ مجراه في قضية حادثة خلدة”، لافتة إلى أن “كل من قتل أو استعمل سلاحا يجب توقيفه ليكون الجميع تحت القانون، ولو تحركت الدولة وقبضت على من قتل الطفل حسن غصن منذ 11 شهرا لما وصلنا لما وصلنا إليه”.

عرب خلدة..

وينقسم عرب “خلدة” الذين نفذوا عملية القتل التزاما بـ”تقاليد الثأر العشائري” العربي، بحسب توافدهم لثلاثة اقسام: اقدمهم عشائر تسكن المنطقة منذ اكثر من 80 عاماً، وتم تجنيسهم بقرار من الأمير “مجيد أرسلان” عندما كان وزيراً للداخلية، وبعض العائلات هم من سجل رقم واحد، أي انهم من أقدم سكان بيروت، ومنهم عائلات آل غصن أهل الطفل القتيل وشقيقه الذي نفذ عملية الاغتيال في العرس.

أما القسم الثاني هم عرب المسلخ، اي القادمون من منطقة المسلخ في الكرنتينا، وأكثرهم من عشيرة الزريقات الممتدة إلى سوريا، ومنهم عائلات آل زهران، وقد وصل هؤلاء ليسكنوا مع اقاربهم في منطقة خلدة بعد ان تم تهجيرهم في مجزرة الكرنتينا الشهيرة خلال الحرب الاهلية اللبنانية 1976، وسقط منهم عدد كبير من القتلى، وتعرض حينها معظم سكان الكرنتينا للتهجير ومنهم فلسطينيون وأرمن وأكراد، على يد ميليشيات الكتائب اليمينية المسيحية.

وفي العام 1976، احتضن عرب المسلخ قيادات منظمة التحرير وكمال جنبلاط، وامنوا لهم مساكن وعدة فنادق لتسكن عائلاتهم المهجرة، الامر الذي رسخ ولاءهم وتخندقهم لهذا الطرف في الحرب الاهلية اللبنانية، ليشتهر فصيل مسلح لهم باسم “قوات المسلخ”، قاتل الى جانب جنبلاط والفلسطينيين.

كما يسكن “خلدة” قسم ثالث ي هم “النور الرحل”، وتوجه لهم الكثير من الاتهامات بارتكاب أعمال مخلة بآداب المجتمع، وهؤلاء لا علاقة لهم بالعشائر العربية، وانما حالهم حال جماعة “النور” الرحل والذين تختلف تسمياتهم من منطقة لأخرى بين “الزط” “والقرباط” “والغجر” وغيرها من التسميات، وقد كانوا متواجدين في خلده وسكنوا بيوتاً من التنك عند الأتوستراد والطريق الساحلي، وتم هدم معظمها وإخلاؤهم منتصف التسعينيات وترحيلهم، ولكن وجود هؤلاء “الغجر” في المنطقة الشعبية، جعل بعض الأصوات العنصرية تحاول وصم بقية السكان في خلده من العشائر بوصمة “نور خلده” وهو هاشتاغ عنصري انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا من جمهور “حزب الله”، لمهاجمة سكان عرب خلده والاساءة لهم.

أهداف تكتيكية..

احداث خلدة تتزامن مع حالة الفلتان الأمني الذي يعيش لبنان في ظل أزمة معيشية خانقة تعاني منها البلاد، وسطوة “حزب الله” وإيران على مفاصل الحياة، اذ يرى مراقبون أن “حزب الله يرغب في استغلال عملية اغتيال شبلي، من اجل القيام بعملية عسكرية محدودة، يسيطر بعدها على مثلث خلدة الاستراتيجي عند مدخل بيروت الجنوبي بشكل كامل، وتحقيق عدة اهداف تكتيكية أخرى”.

ولفتت مصادر مطلعة بحسب موقع “جنوبية” أن “الهدف الاول اعادة العجلة الى زمن ٧ ايار ٢٠٠٨، عندما سيطر حزب الله على بيروت عسكريا، مطيحا بالسلم الاهلي وبهيبة الدولة وجيشها، ومن شأنها اليوم ترهيب المعارضين في الداخل، وارسال رسالة قوة الى الخارج، الذي يشدد حصاره ضد حزب الله  في سوريا ولبنان”، موضحة أن “الهدف الثاني، من تصعيد حزب الله العسكري في خلدة عند مدخل بيروت هو فرض واقع امني عسكري، يطمس ويفشل التحركات الشعبية، التي سوف ترافق مناسبة الذكرى الاولى لتفجير مرفأ بيروت في ٤ آب بعد ايام،  وافشال تنظيم الاحتجاجات المرافقة للمناسبة، كون ان اكثر  اصابع الاتهام تشير الى حزب الله وحلفائه بمسؤوليتهم عن هذا التفجير الاثم، وعززها استدعاء القضاء لوزراء ونواب محسوبين على الحزب ومعسكره”.

يشار إلى أن قوات الجيش اللبناني أغلق الطريق من خلدة في اتجاه بيروت بسبب كثافة إطلاق النار من مصادر متعددة، كما اضطر بعض المواطنين لترك سياراتهم وسط الطريق، في حين تحول السير إلى الطرقات الفرعية.

أخبار متعلقة :