مرة جديدة، لم يفلح مجلس الوزراء في إنهاء عمليّة ولادة الموازنة القيصرية بنجاح، فأبقى بإخفاقه هذا وباستنزافه الوقت وصبرَ اللبنانيين، جرحَ الاقتصاد المتهالك مفتوحا. والأخطر في القضية، وفق ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية” هو أن الموعد الجديد الذي ضُرب لاستكمال درس مشروعها عند الأولى من بعد ظهر الجمعة، من غير المضمون أن يكون الأخير ولا أن ينتهي بتصاعد الدخان الأبيض من السراي!
أكثر من عامل يقف خلف هذه المماطلة، بحسب المصادر، لعلّ أهمّها إصرار التيار “الوطني الحر” على مناقشة الورقة التي تقدّم بها رئيسه الوزير جبران باسيل، لخفض العجز ورفع الإيرادات، بندا بندا ورفضه بحزم، إقرار الموازنة قبل البت بها. وتردد أن باسيل يريد ضمّ 12 اقتراحا إلى الموازنة هي: التدبير رقم 3 الذي أحيل إلى اجتماع يُعقد بين وزير الدفاع ووزيرة الداخلية وقائد الجيش ومدير عام قوى الأمن الداخلي، تطبيق إخضاع مصرف لبنان لضريبة على الفوائد، وضع سقف لمنح التعليم، تخفيض الرواتب العالية، وقف الدرجات أو مفعولها المالي، إلغاء التوظيفات التي حصلت خلافا للقانون 46، إقفال المعابر وضبط الحدود ووقف التهرّب الضريبي، تخفيض المساهمات، رسوم على اليخوت، رفع ضريبة الرمل والبحص من 1000 إلى 15000 ليرة لبنانية، و تخفيض إضافي في موازنات الوزارات، ولاسيما الصحة والشؤون والشباب والرياضة. كما أعلن باسيل استعداده لخفض 10 مليارات إضافية في وزارته وإلغاء وزارة المهجرين.
وإذا كان وزير الخارجية لا يمانع استمرار المداولات جلساتٍ اضافية إذا اقتضى الأمر للخروج بأفضل وأرشق موازنة، وفق أوساطه، فإن رئيس الحكومة سعد الحريري، بإحجامه عن حسم الجدال الدائر بين فريقي باسيل من جهة ومعارضيه من جهة ثانية (وهؤلاء يشكّلون أكثر من نصف مجلس الوزراء الذي بدأ يشكو المماطلة والتسويف الحاصلين)، إنما يساهم في تمديد إقامة المشروع على طاولة الحكومة لأجل غير مسمّى. وبحسب المصادر، فإن موقف الحريري الوسطي “الاستيعابي”، يريد منه تفادي الصدام مع أي من أهل البيت الوزاري إلا أنه قد يستعين في الساعات المقبلة برئيس الجمهورية ميشال عون لوضع حد للمماطلة.
وما يزيد الوضع تعقيدا، هو دخول المصالح الفئوية والحزبية والشخصية على خط نقاشات الموازنة. فبعض الأطراف، بحسب المصادر، يحاول الاستفادة من المداولات لتحقيق مكاسب شعبية وسياسية عبر القول إنهم حريصون على إنقاذ الوضع الاقتصادي وإصلاحه أكثر من سواهم من القوى المحلية. هذا ناهيك عن تسجيلهم نقاطا على خصومهم من خلال نجاحهم في فرض نظرتهم لكيفية مناقشة الموازنة ودرسها من حيث الشكل (المدة الزمنية) والمضمون…
غير أن ما يفوت الطاقم الوزاري كلّه، تضيف المصادر، هو أن الخاسر الأكبر من هذه “العبثية” هو الاقتصاد والمواطن. فالمعركة الحاصلة على طاولة الحكومة، ليست تنافسا صحيا أو لغرض “سامٍ” إذ أن “الموازنة” باتت لزوم ما لا يلزم وفقدت عمليّا قيمتها. فالأصول تقتضي إقرارها منذ تشرين الأول المنصرم. لكنها، والحال هذه، قد لا تدخل حيز التنفيذ قبل تموز المقبل حيث ينتظرها تشريح جديد في مجلس النواب، بعد أن تخرج من مختبر مجلس الوزراء. فما الجدوى من الاقتتال على أرقامها وتفاصيلها؟ وهل يمكن بعد أن تنال هذه الموازنة أيا كان شكلها وحجمها، رضى دول “سيدر”؟