نبض لبنان

المحكمة الجعفرية: قصة حضانة أخرى تُروى!

كتبت راجانا حمية في “الاخبار”:

لا تنتهي قصص الحضانة في محاكم الشرع. كلما انتهت واحدة فتحت أخرى لأم تكابد للحفاظ على حضانة أطفالها، أو في أحسن الأحوال الحصول على حقها برؤيتهم. في الأمس القريب، سُجنت خديجة نايف في نظارة مخفر الغبيري لأنها أرادت رؤية أطفالها. قبلها بعامين سجنت فاطمة حمزة بعدما رفضت تسليم وحيدها إلى والده الذي استحصل على حكمٍ بحضانته. اليوم، تسير هنا عواضة، الأم لثلاثة أطفالٍ، نحو مصير مشابه، بسبب حكمٍ صدر مؤخراً عن المحكمة الجعفرية يحرمها من حقها بأطفالها.

بدأت القصة قبل عامين، عندما نالت عواضة حكماً بالطلاق من زوجها العراقي عمر المشهداني. يومها، تقدمت بدعوى أمام محكمة الأحوال الشخصية في الأعظمية (بغداد)، حصلت بموجبها على الحق بحضانة أطفالها حكماً مبرماً، كون «الوالد لم يتقدم بطلب استئناف للدعوى»، تقول عواضة.

من العراق إلى لبنان، حملت ورقتها «الرابحة» وأعادت التأكيد على مضمونها من خلال إعطائها الصيغة التنفيذية لدى محكمة استئناف بيروت. هكذا، صدّقت الحكم الصادر عن المحكمة العراقية بـ«تأييد حضانة المدعية للأطفال تالا (2009) وعلي (2014) ولين (2007) وهم أولادها من المدعى عليه (…)». لكن، لم تكد فرحة الأم تكتمل، حتى جاءت الصاعقة من المحكمة الجعفرية التي تقدّم الوالد أمامها بدعوى حضانة أولاده. إذ قضت بـ«إلزامها بتسليم أولادها الثلاثة لوالدهم (…)».

ليست هذه قصة استثنائية في المحاكم الجعفرية. لكن ما يميزها أننا أمام حكمين بالحضانة متناقضين في قضية واحدة. والمشكلة ليست في الحكمين بحد ذاتهما، بقدر ما هي مشكلة تضارب صلاحيات بين المحاكم. فما الذي يعنيه، مثلاً، أن يصدر حكم مبرم بالحضانة للوالدة في العراق ومصدّق من أعلى محكمة استئناف لبنانية، ثم يأتي حكم من المحكمة الجعفرية لينسف ذلك جملة وتفصيلاً ويعيد الحضانة كاملة للوالد؟ وهو ما يعيد طرح السؤال عن التناتش على الصلاحيات بين المحاكم المدنية والشرعية، وهو الموضوع المفتوح منذ زمن طويل ولا تبدو نهايته قريبة.

في المبدأ، وبحسب القانون «لا يفترض أن يكون هناك تعارض بين الحكمين، بل يفترض أن يكون هناك انسجام بينهما»، يقول محامي المدعى عليها علي فقيه. هذا على الأقل ما يقوله القانون والمنطق، أما ما حدث في 24 نيسان الماضي، فقد سار مساراً آخر «يجعلنا نطرح علامات استفهام عما تغيّر بين جلسات الإستماع والحكم الذي عرفناه صدفة»، يتابع فقيه.

على الطرف الآخر من القضية، تقف وكيلة المدعي المحامية إقبال شعيب. تروي الأخيرة قصة وصول المشهداني إلى هنا. تقول بأنه «عندما كان متزوجاً من المدعى عليها كتب باسمها نصف شقة في بلدة البرج الشمالي (صور)، على أن يكتب القسم الآخر باسم أطفالها (…) كما كان يملك عقاراً في برج الشمالي. في تلك الفترة أقام الزوج توكيلاً عاماً لزوجته كونه يتنقل خارج الأراضي اللبنانية بشكلٍ دائم». لكن، «بعد الطلاق أقدمت الأخيرة على بيع العقار والإستيلاء على أمواله»، مشيرة إلى أن «دعوى نصب واحتيال مرفوعة اليوم أمام القضاء، بعدما سرقت عواضة أمواله». غير أن ما لم تشر له شعيب أن الدعوى انتهت في القضاء بـ«اتفاقية مصالحة قضائية»، وقعت عليها شعيب نفسها، وتقاضى «بموجبها المشهداني 320 ألف دولار استردها من شاري العقار».

بغض النظر عن الخلافات بين الطليقين، ثمة 3 أطفالٍ يعيشون اليوم تحت حكم تضارب الصلاحيات بين القضاءين المدني والشرعي. هذا التعارض يضعهم في خانة اللاشرعيين، إذ أنهم بلا جوازات سفر ولا إقامات تشرعن وجودهم على الأراضي اللبنانية، بعدما انتهت إقاماتهم ولم تستطع الأم تجديدها.

القضية اليوم في محكمة الإستئناف، بعدما قدم محامي المدعى عليها مراجعة قانونية لإبطال القرار. لكن، قبل أن تسلك القضية هذا المسار، ثمة «خطأ» يرصده أحد القضاة في المحكمة الجعفرية إذ أنه «في حال بلوغ البنات سن التخيير، تصبح دعوى الحضانة باطلة ويفترض أن يكون المسار هو تقديم دعوى تخيير، فإن اختار الأولاد أحد الطرفين يصدر الحكم على أساس ذلك». وعلى هذا الأساس، يعدّ «الحكم الصادر بالحضانة باطلاً وجائراً إذا عرض على الأطفال التخيير واختاروا الأم». وهذا قول مبرم.