نبض لبنان

أسرار حركة ساترفيلد من الخط الأزرق إلى البحر المتوسط

منير الربيع | المدن

ثمة عقدة خفية تتعلّق بالمسعى الأميركي، الذي يقوده ديفيد ساترفيلد بين لبنان وإسرائيل، لإنجاز ترسيم الحدود البرية والبحرية. في الأسبوع الماضي، وبعد انتهاء لقاءات ساترفيلد مع المسؤولين اللبنانيين، أشيعت أجواء في لبنان عن تحقيق إنجاز وانتصار في القبول الإسرائيلي بالمقترح اللبناني، القائم على مبدأ تلازم مساري الترسيم براً وبحراً. ساعات قليلة مضت على هذه الاجواء الإيجابية، حتى برزت أجواء أخرى تدعو للتريث والحذر، بانتظار الحصول على إجابات شافية تضمن الموافقة الإسرائيلية على مبدأ التلازم.

حقائق البرّ والجدار
يوم الثلاثاء، جاء ساترفيلد إلى بيروت مجدداً، وجال على مختلف المسؤولين استمراراً لمساعيه بإيجاد قاعدة ينطلق منها التفاوض. زيارة ساترفيلد استُبقت بموقف إسرائيلي لافت ومتطور، أعلن فيه الإسرائيليون استعدادهم للبدء بالمفاوضات. ولكن في البيان الصادر عن وزير الطاقة الإسرائيلية، لم يلحظ أي ترابط بين المسار البري والبحري، إنما عبّر عن الموافقة والاستعداد للبدء بمفاوضات ترسيم الحدود البحرية. ولم يتم الإتيان على ذكر موضوع ترسيم الحدود البرية. قد يكون عدم ذكر الترسيم براً أمراً متعمّداً إسرائيلياً. ما يعني أن إسرائيل غير موافقة بعد على هذا التلازم.

هنا مكمن العقدة. فاللقاءات التي حصلت في الأشهر السابقة برعاية الأمم المتحدة، الخاصة بترسيم الحدود، والخلافات على 13 نقطة برية، تمّ حلّها يومها، وطرح الإسرائيليون التوقيع على خرائط هذا الترسيم، فكان الموقف اللبناني رافضاً لذلك، بداعي تمسك اللبنانيين بالتوقيع على الترسيم البري والبحري معاً. عندها تم طرح الشروع في عملية الترسيم البحري، على أن تنجز العملية خلال مدة أقصاها شهر. وهذا لم يحدث. فذهب الإسرائيليون إلى تشييد الجدار العازل على نقاط الترسيم التي جرى التوافق عليها، من دون أي اعتراض لبناني يذكر. بعض الاعتراضات التي ظهرت يومها كانت تتعلق بالخلافات حول نقاط تمّت معالجتها أثناء تشييد الجدار. ما يعني أن الترسيم البرّي قد انتهى. والأخطر أن الترسيم البرّي لم يشمل ما يتعلق بمزارع شبعا. ولم يطرح ملف المزارع من ضمن النقاط الـ 13 التي اعترض عليها لبنان. ما يعني أيضاً أن المزارع، وفق عملية الترسيم هذه، غير مشمولة ضمن الحدود اللبنانية، ولا تزال ملحقة بالجولان. وما يجري حالياً هو الاتفاق على الآلية التفاوضية لبدء الترسيم البحري، لوضع خارطة الطريق التي سيسير على أساسها ساترفيلد. والأمور لا تزال في بداياتها، ولم يتم الوصول إلى المتاعب الفعلية.

تناقضات لبنانية!
في مقابل وجهة النظر تلك، ثمة وجهة أخرى مغايرة لها، وقد تترجم التناقض اللبناني أو عدم سيره بمنطق واحد. إذ يعتبر المسؤولون اللبنانيون أن عملية الترسيم البري يجب أن تشمل كل الحدود، ما يعني ضمناً مزارع شبعا. وهذه لن يوافق عليها النظام السوري حالياً.

وهنا، تشير بعض المعلومات إلى أن هناك اختلافاً لبنانياً - لبنانياً هل ينحصر الترسيم بالخطّ الأزرق، أي من دون مزارع شبعا، أم أن الخط الأزرق لا يعني الحدود الكاملة، بل هو خطّ مؤقت بانتظار حلّ مسألة الترسيم كاملة.

وحتى الأجواء التي رافقت زيارة ساترفيلد الأخيرة، لم تكن على قدر من الجدية التي طبعت بها الأسبوع الفائت. صحيح أن مختلف الشخصيات التي التقاها المبعوث الأميركي أكدت أن الأمور تسير بمنحى إيجابي، إلا انها اعتبرت أن لا شيء ناجزاً بعد، ولا يمكن الحديث عن حصول توافق تام، وربما البيان الصادر عن عين التينة يلحظ نوعاً ضرورة الانتظار. إذ أشار إلى أنه تم استكمال البحث في عملية الترسيم، والتي تحرز تقدماً، لكن يحتاج إلى خطوات أخرى. وعليه، تؤكد المصادر المتابعة، أن التقدم الذي يتم إحرازه، يجب أن يقرن بإجابات واضحة، مفترض أن يعود بها ساترفيلد إلى لبنان أواخر الأسبوع، أو قد يبلّغ بتحقيقها عبر رسالة، وليس بالضرورة عبر زيارة جديدة.

التنازلات المتبادلة
تعبّر المصادر عن التفاؤل الحذر، وتقول إن هناك إمكانية لأن يتم الاتفاق بسرعة على آلية التفاوض، كما أن هناك إمكانية لأن يطول ذلك. في المقابل، تلفت مصادر أخرى إلى أن لا عوائق أساسية أو جوهرية قد تعترض طريق تطبيق الطرح اللبناني، إنما الحاجة الآن هي لوضع اللمسات الأخيرة على شكل المفاوضات، ودور الأطراف المعنية فيها. وعندما قدم لبنان تنازلاً بموافقته على الرعاية الأميركية للوساطة، كان يطالب بتنازل مقابل من قبل الإسرائيليين بالموافقة على دمج الترسيم بين البر والبحر.

وثمة من يشير في لبنان، إلى أنه مع تجديد ساترفيلد لتحركه، والذي بني على الموقف اللبناني الموحد، لجهة تلازم مساري الترسيم، انطوى على تفسيرات متضاربة لحقيقة الموقف الأميركي والإسرائيلي، بمعنى أن كل طرف أراد ترجمة تحرك المبعوث الأميركي وفق ما تقتضيه رؤيته أو مصلحته، خصوصاً أن الاهتمام الأميركي والإسرائيلي يتركز على الترسيم البحري قبل أي ترسيم آخر. لكن، بحال عدم الموافقة على التلازم بين المسارين، فلن يوافق لبنان على انطلاق المفاوضات، خصوصاً أن بدء ترسيم الحدود البحرية، وفق القانون الدولي، يجب أن ينطلق من آخر حدّ بري.

بانتظار مصير نتنياهو
وحسب ما تؤكد المعلومات، فإن التفاوض سيكون ضمن سلة واحدة. واذا ما سقطت نقطة واحدة منها ستسقط كلها. وتكشف مصادر متابعة، أن النقطة العالقة حالياً تتعلق بمطالبة الاسرائيليين بوضع سقف زمني لانتهاء التفاوض، على أن يتحدد بستة أشهر. الأمر الذي يرفضه لبنان، فلا يمكن الالتزام بمهلة زمنية، كي لا يقع في فخ مناورة معينة، ويجبر لبنان بموجبها على التوقيع من دون إجراء اللقاءات والاجتماعات اللازمة لذلك. ويطالب لبنان بأن تكون المهلة مفتوحة.

ما بين الإيجابية الحذرة، واحتمال الإسراع في الاتفاق على آلية التفاوض، أواحتمال التأخير والعرقلة، ثمة عامل إسرائيلي جديد سيطرأ على التحكم بمسارات هذا الملف، وهو عدم نجاح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتشكيل حكومته الجديدة، وبالتالي انتظار انتخابات إسرائيلية مبكرة في شهر أيلول المقبل. هذا التطور، وبحال عدم دخول أميركي قوي على الخطّ، والضغط على وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان لتسهيل تشكيل الحكومة والمشاركة فيها، فهذا سيعرقل خطة "صفقة القرن"، وسيلهي إسرائيل بوضعها الداخلي، الذي قد يستدعي استخدام نتنياهو لملف مفاوضات الترسيم مع لبنان وفق ما تقتضيه مصلحته، تأخيراً إلى ما بعد الانتخابات أو تسريعاً ليستثمرها شعبياً وانتخابياً.