شهدت قاعة “الجامعة الإسلامية” في بعلبك مصالحة بين عائلات وعشائر: الصلح، بقبوق، شقير، الطقش، الفيتروني وآل جعفر، برعاية رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الامير قبلان ممثلا بالمفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، وبمبادرة من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ممثلا بالشيخ مشهور صلح، وجهود المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، وبحضور وزير الزراعة حسن اللقيس، والنواب: غازي زعيتر وعلي المقداد وإبراهيم الموسوي وبكر الحجيري، النائب السابق نوار الساحلي، وفعاليات قضائية ودينية وأمنية وسياسية واجتماعية.
وشبّه اللواء إبراهيم، في كلمة، “ما حصل في قبرشمون بما يجرى هنا”، وقال: “اليوم نقف في بعلبك لإتمام المصالحة، وغدا في خلدة والمختارة، لأن دمنا واحد، والمصارحة طريق المصالحة”.
وأضاف: “نحن هنا لإعانة بعضنا البعض على تقوى الله في حقن الدماء، ودرء الفتن التي يخيل لبعض العقول أنها محدودة الأثر، وتبريرها على أنها مجرد انفعالات، وهي في الحقيقة شر مستطير. إن العائلية الضيقة والعشائرية والطائفية والمذهبية التي تستدعي القتل والقتل المضاد، وتنصّب نفسها بديلا عن الدولة والقضاء، تشكل بابا عريضا لفتن دينية ومذهبية، إن هي اندلعت، فلا أحد يعرف نهايتها، مع التشديد على عميق الاحترام للعائلات بمواجهة العائلية، وللعشائر بمواجهة العشائرية. فالعائلات الكريمة هي أساس النسيج الاجتماعي والوطني”.
وإذ شدد على “عونِ بعضنا لبعض في ما أمر الله به من سلام وأخوة في الله والدين والوطن”، أكد “دور الدولة العادلة، كما واجباتها، راعية وحاكمة نهائية في تنظيم علاقات الأفراد والجماعات مع بعضها البعض، لأنه في سقوط القانون، حتى في أبسط الاشكالات والحوادث، يعني سقوط الدولة وسيادة شريعة الغاب التي خبرناها وذقنا صنوفها في الحرب المشؤومة، وحتما فإن عاقلا لا يريد العودة إليها، كما أن أحدا لم ينجح في أن يكون بديلا عن الدولة”.
وأشار إلى أن “ما ننجزه اليوم في اتمام هذا اللقاء الأخوي المميز بين اهل مدينة الشمس والنور بعلبك، هو في صلب الدور الوطني الذي تقوم به المديرية العامة للامن العام، انطلاقا من حرصنا على صون الامن الاجتماعي الذي يشكل الركيزة الاولى للامن الوطني، وصولا الى تحقيق الأمان الاجتماعي والامني بكل أبعادهما، واللذين يوفران البيئة المناسبة لبناء الإنسان، والإنسان أولا في لبنان، وهذا لا يكتمل من دون وجود دولة تقوم بواجباتها كحاضنة لأبنائها في كل المناطق ومن دون استثناء. عندها فقط يشعر المواطن بالطمأنينة والسلام، لأن الامن في مفهومه الحديث لم يعد يقتصر على البندقية والهراوة”.
وتابع: “المطلوب إذًا تمتين الوحدة الداخلية، وإن تتضافر جهود الدولة مع مواطنيها لبناء مستقبل افضل، لأن الوضع لا يحتمل اية ارباكات مهما كانت تبريراتها او عناوينها أو حجمها أو موقعها. وكلنا عاش وعرف معنى الانقسام وما خلفه من مآس وويلات. فلنعمل سويا على الغاء خطوط التفرقة من عقولنا، ورفع الحواجز الامنية من حولنا، كي يتسنى للبندقية الشرعية تصويب فوهتها الى حيث يجب أن تكون، إلى العدو الاسرائيلي وإلى الإرهاب، لأنهما يشكلان الخطر الرئيسي على لبنان. فبإيمانكم بالله وقناعتكم بالسلم الاهلي قادرون على تحقيق الامن والاستقرار، إنما تحت سقف الدولة العادلة التي تبقى ضمانة الجميع، وعلينا التطلع الى الامام ونسيان الماضي المؤلم، وتكريس مفهوم هذا اللقاء بالافعال وليس بالكلام”.
وختم ابراهيم: “لكي يبقى لبنان أيقونة هذا الشرق، بتنوعه الحضاري والثقافي والديني، ينبغي على الجميع الانتقال من دائرة الهويات الضيقة إلى الفضاء الوطني الجامع. لذا، اتوجه الى اهلي واحبائي في بعلبك، لأشد على أياديكم، واقدر عاليا جهودكم الاستثنائية، الخيرة والطيبة المتأصلة فيكم، وأنحني احتراما لتضحياتكم وتجاوزكم الاعتبارات الضيقة، وتقديم المصلحة اللبنانية العامة والخير والسلام والإلفة على كل شيء، وأدعوكم للتمسك بمقتضيات هذا اللقاء الاخوي الجامع، لتكون حافزا للجميع لتجاوز كل ما يعكر عيشنا، ونسأل الله الرحمة والمغفرة للذين انتقلوا الى رحمة ربنا العلي القدير، وأتوجه بالشكر الواجب إلى كل من ساهم في الوصول بهذه المصالحة الى خواتيمها، واقول لكم جميعا جزاكم الله خيرا في ما تعملون”.
وألقى المفتي قبلان كلمة جاء فيها: “لبعلبك الهرمل، تاريخ طويل من الدماء والتضحيات والجهاد والشرف، قدموه في سبيل هذا البلد وما زالوا، والمطلوب أن تكون الدولة على قدر هذا الحق، ولا يجوز أن نوظف الدولة كضابطة عدلية في البقاع فيما نوظفها كمشروع إنماء شامل في بيروت وباقي المناطق المحظوظة، وعلى القوى السياسية، خاصة البقاعية، أن تنهض بالبقاع بكل جوانبه، لأن كثيرا من أزمات أجيالنا في البقاع سببها تخلي الدولة عن تنمية البقاع وأجياله، لذلك من يتخلف عن دعم البقاع بمستشفى وفروع جامعية وسوق عمل وتنميات مختلفة ليس من حقه أن يستقدم الدبابات والسجون للبقاع، رغم إصرارنا على الأمن البقاعي وضرورته، إلا أن السم القاتل يكمن في التخلي عن دعم البقاع وتنميته، لذلك فإن لبنان بلا بقاع مستقر ونام يعني لبنان مفتوح على كل الأزمات”.
وأضاف: “المطلوب من الدولة أن تكون ضامنة وطنية، وأن تكون مشروع أرباح وشراكة وطنية، لا تاجر صفقات همه شركاته ومؤسساته ومشاريعه الخاصة، لأن التجارة السياسية ما حلت بحكومة من حكومات العالم إلا وكانت سببا لإفلاس البلد”.
وختم: “تنظيم العلاقات وتوثيقها بين العشائر ضرورة، والاحتكام لله والحق ضرورة، ورفع الغطاء عن المرتكب ضرورة، وتربية أجيالنا على أن الدم ببعد النظر لمن يكون الدم هو أمر عظيم عند الله وعند الناس، والأهم من هذا وذاك أن نكون يدا واحدة، وذمة واحدة، ضد الظلم، بمختلف عناوينه، وعلى يد من وقع فنربح وتربحون، ونسعد وتسعدون، وأنتم أهل النخوة والشرف، فاجمعوا شرفكم معا يجمعكم بشرفه في الدنيا والآخرة”.