نبض لبنان

أثناء جائحة كورونا.. كيف نحصل على غذائنا بطرق آمنة؟

مع بدء إمكانية تفشي وباء فيروس كورونا، وبينما كان يلوح في الأفق أنه سيتحول من وباء في منطقة جغرافية محددة إلى جائحة تحصد الضحايا في مختلف دول العالم، سارع الملايين للقيام بخطوات، استعدادًا لدرء خطر العدوى بالفيروس، من خلال التفكير في النظافة الشخصية.

ولأن النصيحة حول فعالية غسل اليدين والتعقيم الشخصي ظهرت في توقيت مبكر بشكل كاف، اندفع المشترون إلى المتاجر الكبرى في جميع أنحاء العالم لتخزين معقم اليدين، ومناديل مطهرة، ولسبب ما حدثت أيضا عمليات شراء بكميات مهولة لورق التواليت. إن الشعور بالاستعداد للحفاظ على النظافة الشخصية أمر سهل للغاية، بحسب ما جاء في مقال كتبته أماندا مول ونشرته صحيفة "ذي أتلانتيك".

ولكن ومنذ بدء تطبيق بعض الإجراءات الاحترازية، أصبحت كيفية إدارة الحياة اليومية أكثر تعقيدًا، بخاصة بعدما تم إلغاء الفاعليات والأحداث وإغلاق المدارس والمكاتب، جنبا إلى جنب ومناشدات مسؤولي الصحة العامة لتجنب الاتصال بالآخرين، مما أدى إلى بدء تغيير إيقاعات الحياة اليومية.

وظهر على السطح وسط هذه التطورات سؤال محوري ومتكرر، هو: "ماذا يمكن أن نأكل؟"، فلم يعد من السهل الاستمرار في طلب الوجبات الغذائية الجاهزة أو البقالة عبر خدمات التوصيل، بنفس ذات الطريقة التي يعتمد عليها الكثيرون لأنها تتنافي مع الالتزام بنصائح تجنب التواصل المباشر بالآخرين.

الوجبات الطازجة

وهنا ظهرت معضلة أن الوجبات الغذائية الطازجة، ذات الفوائد الغذائية العالية، والتي يجب أن يتم تناولها عند السعي لزيادة مناعة الجسم وتعزيز قدرته على مقاومة الأمراض، هي أولا باهظة الثمن وثانيا تتلف سريعا، ولأن الكثيرين لا يحتفظون ببراد إضافي للتخزين أو لا يتوافر لديهم فائض من الأموال لملء براد إضافي.

كما أن هناك من لا يمكنهم الطهي بأنفسهم لأنفسهم. فإن كل هؤلاء وغيرهم ممن لم يعتادوا الاحتفاظ بمخزون من المؤن في منازلهم بشكل دوري، بدأوا في طرح الكثير من التساؤلات مثل: هل من مخاطرة، عند طلب الوجبات الجاهزة عبر خدمة التوصيل لباب المنزل، سواء على صاحب المنزل أو عامل التوصيل؟ وهل هناك مخاطرة إذا ذهب الشخص بنفسه إلى متجر بقالة، والذي ربما يكون مليئًا بما يثير الذعر؟ وكيف يمكن المساعدة في تخفيف العبء على من يعملون في وظائف الخدمات؟

وجبات غير مطبوخة

وتستعرض مول آراء بعض الخبراء حول كيفية الحصول على الطعام أثناء جائحة كورونا. وفقًا لستيفن مورس، عالم الأوبئة في جامعة كولومبيا، فإنه من غير المحتمل أن يمثل الطعام خطرًا كبيرًا، عندما يتعلق الأمر بطلب الوجبات الجاهزة، حتى لو كان الطاه الذي يقوم بإعداده مريضا ولا يعلم، "ما لم تتعرض الوجبات للتلوث بعد الطهي". ولكن يحذر مورس من أن ندرة المخاطر لا تشتمل على السلطات، مشيرا إلى أنه يجب التعامل مع الوجبات الغذائية غير المطبوخة بالطرق الآمنة والصحيحة.

توصيل الطلبات للمنازل

وتضيف مول أنه يجب الالتزام التام بما تنصح به إدارات الصحة المحلية في كل مدينة ودولة بشأن تناول الوجبات الغذائية في المطاعم، بالإضافة إلى التيقن من أن خطر التفاعل عند تسليم الوجبات الجاهزة يكمن في كيفية تنسيقه.

ويبقى الخطر منخفضا نسبيا بالنسبة لمتلقي الطعام، حيث يقول بروفيسور مورس: "يمكن أن يكون هناك خطر ضئيل بانتقال أي فيروس من خلال العبوات أو الأكياس أو الملاعق البلاستيكية الملوثة، لكن يسود اعتقاد مؤكد بأن أخطر طريقة لانتقاله هو القطرات أو الرذاذ من الجهاز التنفسي"، والذي ينتشر عندما يسعل أو يعطس شخص ما أو حتى التنفس على مقربة (أقل من مترين) من الآخرين.

وإذا تم الالتزام التام بسبل الوقاية الفعالة والتي تبدأ بغسل اليدين قبل تناول الطعام وتطهير الأدوات المستخدمة، فلن يكون هناك خطر. وإذا كان أي شخص قلقًا بشأن أي أنواع أخرى من عمليات توصيل أو تسليم الطرود البريدية أو طلبات التسوق عبر الإنترنت، فإنها من غير المحتمل أيضًا أن تنقل فيروس كورونا ولكن يمكن غسل اليدين بعد استلام أي شيء وفتح المُغلف لمزيد من الأمان.

ومن المرجح أن يكون عمال وموظفي توصيل الطلبات أكثر عرضة للإصابة للعدوى بسبب كثرة أعداد الأشخاص، الذين يقابلونهم. ويقول بروفيسور مورس إنه يمكن تقليل المخاطر لكلا الطرفين إذا طلب المستلم ترك الطعام خارج الباب، أو يمكن أن تشترط الشركات والمطاعم أن يتم التسليم بدون حاجة للتعامل وجها لوجه.

ويمكن سداد ثمن الطلبات إلكترونيا أو يمكن وضع النقود خارج باب المنزل قبل وصول موظف تسليم الطلبات، كما يمكن اتباع نفس طريقة موظفي توصيل الطلبات في ووهان الصينية، حيث بدأ تفشي فيروس كورونا قبل بضعة أشهر، والذين يرتدون بدلات وأقنعة واقية، ويحملون معقم اليدين يوفره صاحب العمل.

المعضلة الأخلاقية

وفي ضوء هذه المخاطر ربما يبدو الاعتماد على خدمة التوصيل للمنازل سلوكًا أنانيًا أو قاسيًا، ولكن وفقًا لتود ماي، أستاذ الفلسفة في جامعة كليمسون، فإن حساب التفاضل والتكامل الأخلاقي ليس بهذه البساطة.

يقول بروفيسور ماي إن على الناس أن يسألوا أنفسهم ببساطة حول ما إذا كان الامتناع بشكل جماعي عن استخدام خدمات التوصيل سيضر العمال والموظفين في مورد رزقهم أكثر مما يكفل لهم الحماية من مخاطر محتملة، ربما يمكن اتباع الإجراءات الاحترازية لتجنبها.

مخاطر التسوق

ولا يعد التخلي عن خدمات التوصيل للمنازل والذهاب إلى متجر البقالة بالضرورة وسيلة أكثر أمانًا. ويوضح عالم الأوبئة بروفيسور مورس أنه يكون هناك نسبة خطر أكبر للإصابة بالعدوى في "المتاجر المزدحمة، وذلك ببساطة بسبب عدد الأشخاص والكثافة".

يمكن بالطبع أن يتجنب المتسوقون بعض هذه المخاطر من خلال القيام بالتسوق في غير أوقات الازدحام أو بالتوجه للمتاجر الأقل شهرة. لكن يبقى أن خطر التعرض للعدوى يكون أكبر بكثير بالنسبة للعاملين في محال البقالة مقارنة بالخطر على المشترين، تمامًا كما هو الحال بالنسبة لموظفي التوصيل، الذين يجلبون الطعام إلى باب المنزل مما هو عليه بالنسبة لسكانه.

رأسمالهم صحتهم

يقول ستيفن بينكو، أستاذ الدراسات الدينية والأخلاقية في كلية ميريديث في نورث كارولينا: "يجب أن نفكر أكثر في الناحية الاجتماعية وأن ندرك أنه نادرًا ما توفر وظائف توصيل الطلبات تأمينًا صحيًا، ولذا فإن موظفي التوصيل سيحتاجون، إذا تعرضوا للعدوى بفيروس كورونا، لشراء أدوية للسيطرة على الحالات الخفيفة من كوفيد-19، أو لطلب المساعدة من مركز رعاية عاجلة".

التعاطف مع الجنود المجهولين

ويقول بينكو إنه ينبغي الحرص على عدم نقل أي عدوى لموظفي توصيل الطلبات، الذين يتحملون تكاليف علاجهم وأدويتهم ويرتبط مصدر رزقهم بالبقاء بصحة طيبة والقدرة على أداء العمل".

كما يقول بينكو: "تستمتع المجتمعات بخدمات الأشخاص، الذين يعملون في صمت بالظل، ولكن ربما لا يفكر أحد فيمن قام بإعادة ملء رفوف المتاجر عندما تنفد السلع المعروضة عليها"، موضحا أن المجتمعات حاليا لا ترى الآخر من بين هؤلاء العمال والموظفين "إلا من خلال تصورات أنهم ربما ينقلون الأذى، بدلاً من أن يكونوا مرئيين في حقيقة أنهم يخاطرون بصحتهم" وربما حياتهم لأداء عملهم في خدمة الآخرين.