نبض لبنان

بعد الاصابة بـ"كورونا"... لماذا لا يستعيد البعض حاسة الشم؟

توصلت دراسة طبية حديثة إلى إجابة لمشكلة مزعجة حيرت الأطباء وأصابت الملايين الذين لم يتعافوا تماما بعد الإصابة بعدوى "كوفيد-19″، حيث لا تعود حاسة الشم لديهم للعمل بشكل صحيح.

Advertisement

ووفقا لتقرير "ديوك هيلث" (Duke Health)، يرتبط سبب فشل بعض الأشخاص في استعادة حاسة الشم لديهم بعد الإصابة بعدوى "كوفيد-19" (COVID-19) بهجوم مناعي مستمر على الخلايا العصبية الشمية وما يرتبط به من انخفاض في عدد تلك الخلايا، بالإضافة إلى تغيير التعبير الجيني في الظهارة الشمية.

والظهارة الشمية أو النسيج الطلائي الشمي (Olfactory Epithelium)‏ هي نسيج طلائي مخصص داخل التجويف الأنفي، وتعتبر جزءا من نظام الشم المسؤول مباشرة عن اكتشاف الروائح.


ويوفر هذا الاكتشاف -الذي نشر في 21 كانون الأول الماضي في دورية "ساينس ترانسليشن ميديسن" (Science Translational Medicine)- نظرة ثاقبة مهمة لتفسير هذه المشكلة الطبية الملحة.

ويسلط الاكتشاف الضوء أيضا على الأسباب الكامنة المحتملة لأعراض الإصابة بمرض "كوفيد-19" الطويلة الأخرى، بما في ذلك التعب العام وضيق التنفس وضباب الدماغ، وغيرها من الأعراض التي قد تنجم عن آليات بيولوجية مماثلة.

استخدام تحاليل متطورة
وعلى الرغم من أن دراسات تشريح الجثث على الحيوانات والبشر قد اقترحت آليات تؤدي إلى فقدان حاسة الشم الحاد بعد الإصابة فإنه لا يزال من غير الواضح كيف يتسبب فيروس "سارس-كوف-2" (SARS-CoV-2) المحدث للإصابة بعدوى كورونا في فقدان الحاسة المستمر في مجموعة فرعية من المرضى.

وللإجابة عن هذا السؤال قام الباحثون بتحليل العينات الظهارية الشمية التي تم جمعها من 24 خزعة، بما في ذلك من 9 مرضى يعانون من فقدان الشم على المدى الطويل بعد الإصابة بعدوى "كوفيد-19".


وفي هذه الدراسة قام برادلي غولدشتاين -وهو كبير المؤلفين ودكتور في الطب وأستاذ مشارك في قسم جراحة الرأس والرقبة وعلوم الاتصال في جامعة ديوك- وزملاؤه في جامعتي هارفارد وكاليفورنيا-سان دييغو باستخدام تحاليل متطورة مثل تسلسل الحمض النووي الريبي أحادي الخلية والكيمياء المناعية، لتحليل خزعات الغشاء المخاطي الشمي التي تم جمعها من المرضى الذين يعانون من فقدان دائم للشم.

وبالتعاون مع سانديب داتا أستاذ علم الأعصاب في جامعة هارفارد كشف هذا النهج القائم على الخزعة عن تسلل واسع النطاق للخلايا التائية، والتي تعبر عن مضاد للفيروسات المنخرطة في استجابة التهابية في النسيج الطلائي الشمي في الأنف حيث توجد الخلايا العصبية للرائحة.

كما اكتشف الباحثون تحولا في تكوين تجمعات الخلايا النخاعية، بما في ذلك إثراء الخلايا المتغصنة "سي دي 207″ (CD207) واستنفاد الخلايا الضامة المضادة للالتهابات.

واستمرت عملية الالتهاب الفريدة هذه على الرغم من عدم وجود مستويات يمكن اكتشافها من فيروس"سارس-كوف-2".

الحاجة لفهم أفضل
واتضح للباحثين أن فيروس"سارس-كوف-2″ يسبب تغيرات عميقة في حاسة الشم، بما في ذلك فقدان هذه الحاسة بالكامل.

وعلى الرغم من أن هذه التغيرات غالبا ما تكون عابرة فإن العديد من المرضى المصابين بـ"كوفيد-19″ يظهرون خللا وظيفيا في حاسة الشم يستمر من شهور إلى سنوات.

وقال غولدشتاين "أحد الأعراض الأولى التي ارتبطت عادة بعدوى كورونا هو فقدان حاسة الشم، ولحسن الحظ فإن العديد من الأشخاص الذين لديهم حاسة شم متغيرة أثناء المرحلة الحادة من العدوى الفيروسية كانوا يستعيدون الحاسة خلال أسبوع أو أسبوعين من الإصابة، لكن البعض لا يستعيدها أبدا".

وأضاف "نحن بحاجة إلى فهم أفضل لماذا تستمر هذه المجموعة من الأشخاص في فقدان حاسة الشم بشكل مستمر من شهور إلى سنوات بعد الإصابة بالفيروس".

وكشفت الدراسة أن سبب عدم استعادة بعض الأشخاص حاسة الشم بعد "كوفيد-19" يرجع إلى الاعتداء المناعي المستمر على الخلايا العصبية الشمية وانخفاض عدد الخلايا العصبية الحسية الشمية المصاحب لها، ربما بسبب تلف الأنسجة الرقيقة الناجم عن الالتهاب المستمر.

ويقول غولدشتاين "النتائج مذهلة، إنها تشبه نوعا من عملية المناعة الذاتية في الأنف".

وعلى الرغم من عدم وجود حمض نووي ريبي أو بروتين خاص بالفيروس قابل للاكتشاف يبدو أن التعبير الجيني في الخلايا الداعمة للحاجز في الظهارة الشمية يعكس استجابة للإشارات الالتهابية المستمرة، والتي كانت مصحوبة بانخفاض في عدد الخلايا العصبية الحسية الشمية.

وتشير النتائج إلى أن الالتهاب الناتج عن الخلايا التائية يستمر في الظهارة الشمية لفترة طويلة بعد القضاء على الفيروس في الأنسجة، مما يشير إلى آلية فقدان حاسة الشم على المدى الطويل بعد الإصابة بالمرض.

وفسر غولدشتاين النتائج بأن معرفة المواقع التي تعرضت للتلف وأنواع الخلايا المتضمنة خطوة أساسية نحو البدء في ابتكار العلاجات.

وقال إن الباحثين فطنوا إلى أن الخلايا العصبية تحتفظ ببعض القدرة على الإصلاح حتى بعد الهجوم المناعي طويل المدى.

وختم غولدشتاين بقوله "نأمل أن يساعد تعديل الاستجابة المناعية غير الطبيعية أو عمليات الإصلاح داخل أنف هؤلاء المرضى على استعادة حاسة الشم جزئيا على الأقل"، مشيرا إلى أن هذا العمل يجري حاليا في مختبره. (الجزيرة)