نبض لبنان

3 توجهات حيوية لمستقبل الرعاية الصحية بالمنطقة

كشفت دراسة تحليلية متخصصة أن الصحة الرقمية وعلم الجينوم وطول العمر (جودة الحياة)، من ضمن التوجهات الرئيسية الثلاثة التي يرتكز عليها مستقبل الرعاية الصحية.

وقال الدكتور داميان إن جي، محلل الجيل القادم لدى بنك "جوليوس باير" إن ارتفاع التكاليف الطبية خلال العقود القليلة الماضية بسبب تزايد الإصابة بالأمراض المزمنة المرتبطة بتغييرات نمط الحياة وصولاً إلى الشيخوخة، تنعكس على العبء المالي الهائل على الأسر والأفراد، ولا سيما ذوي الدخل المنخفض. وهو الأمر الذي جعل الحكومات والمتخصصين في المجال الطبي يتجهون إلى تبني تقنيات الصحة الرقمية للسيطرة على تكاليف الرعاية الصحية المتزايدة.

وأضاف الدكتور داميات إن جي في حديث مع "العربية.نت" هناك العديد من التقنيات التي تغير شكل أنظمة الرعاية الصحية حول العالم، ومنها التوجه الجديد في السجلات الصحية الإلكترونية، حيث برزت الحاجة إلى الحد من العمليات اليدوية وتحسين الكفاءة وزيادة رقمنة الملفات الطبية في شكل سجلات صحية إلكترونية توفر الوقت والجهد والدقة في نقل البيانات الطبية.

وتابع "يغير التطبيب عن بُعد أيضاً الطريقة التي يقدم بها أخصائيو الرعاية الصحية خدماتهم للمرضى. فقد تغيرت احتياجات المرضى وباتوا يبحثون عن خيارات قريبة إلى المتناول وأصبح بإمكانهم الوصول إلى مجموعة واسعة من المعلومات الطبية في أي وقت وفي أي مكان. بعبارة أخرى، لم تعد الرعاية الصحية مقتصرة على ساعات العمل والقيود المحددة لعيادة الطبيب ولكنها تشمل أيضاً المنزل أو مكان عملك أو وجهة العطلة بفضل التقنيات الرقمية".

"التقنية الثالثة تأتي في مجال الأدوات الصحية المتنقلة والتي تشمل أجهزة مراقبة السكر في الدم واللاصقات التي تتعقب التزام المرضى بالأدوية. أخيراً، تم إحراز الكثير من التقدم في مجال التكنولوجيا الطبية والابتكار فيها مثل زراعة العدسات وهي عبارة عن أجهزة طبية يتم زرعها داخل العين لتحل محل عدسة العين الطبيعية".

ما هو علم الجينوم؟

وقال الدكتور داميات إن جي "في الوقت نفسه، يجب ألا ننسى أنه لا يزال هناك حوالي 6000 مرض لا علاج لها على الرغم من التقدم الطبي الهائل الذي تم إحرازه على مدى العقود القليلة الماضية، مما يجعل للبحوث في علم الجينوم وتطويره أكثر أهمية من أي وقت مضى".

وأضاف "تزايدت وتيرة الأبحاث وبرزت تطورات في مجال علم الجينوم على مدى السنوات القليلة الماضية لا سيما في بلدان في أميركا الشمالية وأوروبا وآسيا. لا شك أن علم الجينوم بالأخص في مجال الطب الدقيق، سيكون له تأثير إيجابي على الطريقة التي تتوفر فيها الرعاية الصحية للمرضى. على سبيل المثال، قد يعاني شخصان مصابان بسرطان الثدي من نفس النوع السرطاني ولكن على المستوى الجزيئي تحت المجهر قد تبدو الخلايا السرطانية مختلفة تماماً. بعبارة أخرى، يجب أن تكتسب العلاجات المصممة خصيصاً للأفراد أهمية أكبر في المستقبل حيث تصبح التشخيصات الجينية والعلاجات مخصصة أكثر لحالة كل مريض".

نظام صحي جديد

ضعف نظام الرعاية الصحية الحالي الذي كشفت عنه أزمة كوفيد-19، إلى جانب ارتفاع الأمراض المزمنة المرتبطة بتغييرات نمط الحياة والشيخوخة السريعة للسكان في جميع أنحاء العالم قد سلط الضوء على الحاجة الملحة لجعل نظام الرعاية الصحية أكثر مرونة في مواجهة التهديدات الصحية المستقبلية. وبالأخصّ تقنيات الصحة الرقمية في مجالات التطبيب عن بُعد ومراقبة الصحة عن بُعد والتكنولوجيا الطبية والميزات التي توفرها على المدى الطويل بالأخص إذا ما نظرنا إلى التغيرات السياسية والقوى الديموغرافية الكبيرة في جميع أنحاء العالم، وارتفاع الأمراض المزمنة المرتبطة مع تقدم العمر وكذلك العبء المالي المتزايد للرعاية الطبية.

وتأثرت دول الخليج كغيرها من الدول حول العالم بهذا الوباء. كما كشفت بيانات من جامعة جونز هوبكنز، سُجلت حوالي 85000 حالة (193 حالة وفاة لكل مليون نسمة) في البحرين، و352000 (160 حالة وفاة لكل مليون نسمة) في السعودية، و148000 حالة (53 حالة وفاة لكل مليون من السكان) في الإمارات في نوفمبر 12 الجاري. ويكمن أحد أسباب معدل الوفيات المنخفض نسبياً في منطقة الخليج في استعداد تلك الدول لاستخدام الاختبارات التشخيصية لوقف انتشار الفيروس.

طبيب عن بُعد

نظراً لأن الزيارات الشخصية للأطباء أصبحت أكثر صعوبة بسبب مجموعة من القيود مثل الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي للحدّ من العدوى، ساعد التطبيب عن بعد الذي اتخذ شكل خدمات استشارية عبر الإنترنت المرضى في المنزل على طلب المشورة الطبية على الإنترنت. بعبارة أخرى، سرّعت جائحة كوفيد-19 تبني التطبيب عن بعد في صفوف مجتمع الرعاية الصحية كطريقة لتقديم الرعاية للمرضى، ومكّنت المرضى أيضاً من التحدث مع أطبائهم حول أي أعراض فيروسية مشبوهة، بما في ذلك الشعور بالبرد والسعال وآلام العضلات والتهاب الحلق أو فقدان حاسة التذوق أو الشم. ومع ذلك، ليس التطبيب عن بعد ظاهرة جديدة. في الواقع، كان يكتسب رواجاً قبل تفشي الوباء. فقد كشف مؤشر فيليبس للصحة المستقبلية لعام 2019 مثلاً أن 85% من المتخصصين في الرعاية الصحية في السعودية يستخدمون شكلاً من أشكال تكنولوجيا الصحة الرقمية أو تطبيقاً هاتفياً متعلقاً بالصحة. وقد أدى تفشّي أزمة كوفيد-19 إلى تسريع تبنيها بشكل أكبر.

الإبتكار يرفد الطب

لا شكّ أن ابتكارات الرعاية الصحية غيرت الطريقة التي يقدم بها الجراحون الرعاية لمرضاهم. فقد أصبحت الجراحات التي كانت مستحيلة قبل بضعة عقود ممارسة شائعة الآن. مثلاً، تحسنت نتائج المرضى بفضل الجراحة طفيفة التوغل والتي تُحدث شقوقاً أصغر تؤدي في النهاية إلى تقليل الصدمات الجراحية وتقليل أوقات التعافي. بالنسبة إلى الجراحين، غيرت الابتكارات التكنولوجية بالتأكيد طريقة عملهم في غرفة العمليات. وأصبحت الطباعة ثلاثية الأبعاد في السنوات الأخيرة محطّ تركيز إعلامي نظراً لاستخدامها المتزايد في الطب. يتم استخدام هذه التكنولوجيا بالتحديد لتصنيع الأدوات الجراحية والمجسّمات التشريحية التي تُستخدم كدليل لعمليات جراحية محددة ومواد قابلة للزرع في الجراحات الترميمية. ويُقدر حجم سوق الطباعة ثلاثية الأبعاد في مجال الرعاية الصحية وفقاً لشركة "ديلوات" بحوالي 12 مليار دولار وتستحوذ الولايات المتحدة وأوروبا على أكثر من 50٪ من السوق.

من جهته، قال الدكتور مثنى سرطاوي لـ "العربية.نت": "تلعب التقنية الحديثة والابتكار دوراً مهماً في الارتقاء بتقديم الخدمات الطبية محلياً وتحسين جودة مخرجاتها، ومن أهمها التشخيص الدقيق للحالة المرضية في وقت مبكر وبحث سبل الوقاية منها. وتتمثل أبرز التقنيات الحديثة في توفير الأجزاء المصنعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد التي نعتمدها كثيراً في الجراحات الحديثة للركبة، بالإضافة للرعاية الصحية عن طريق الاتصال والتطبيب عن بُعد، والتي أثبتت فاعليتها خلال جائحة كورونا.

وأضاف الدكتور مثنى سرطاوي، مدير مركز جراحة استبدال المفاصل للشفاء العاجل في مستشفى "كينغز كوليدج لندن" في دبي، "على مدى العقد الماضي، ارتفع معدل جراحة استبدال الركبة بالكامل بنسبة 210% تقريباً وتشير التوقعات لزيادة المعدلات بنسبة 410% بحلول عام 2040، وهو ما سيشكل عبئاً إضافياً على نفقات الرعاية الصحية، لذلك نرى أن تنفيذ استراتيجيات خفض التكلفة وتبني عمليات التوغل البسيط بات أمراً ملحاً أكثر من أي وقت مضى".

وأكد د. سرطاوي، أن دول الخليج دعمت العديد من المبادرات المحلية التي تضمن تواجد كوادر طبية عالمية مؤهلة في المنطقة وذللت العديد من المعوقات لتكون بيئة منافسة وجاذبة لنخبة العقول. لقد عزز الدعم الحكومي الواسع الثقة في استقطاب الاستشاريين الزائرين من الكوادر الطبية المتخصصة لدول الخليج وساهم بنقل أفضل الخبرات العالمية في معظم التخصصات الطبية للمواطنين. ولاشك أن نجاح التجربة الطبية الحديثة ساهم بشكل كبير في خفض النفقات العلاجية الذاتية والحكومية للمرضى من الخليجيين ووفر الكثير من الوقت والجهد ومشقة السفر على المرضى وذويهم.

وتشير الإحصائيات إلى توقع ارتفاع حجم الإنفاق على الخدمات الطبية في منطقة الخليج من 76.1 مليار دولار في 2017 إلى 104.6 مليار دولار في 2022، أي بمعدل نمو سنوي بـ6.6% بفعل ارتفاع الطلب على المجالات التخصصية النادرة، فضلاً عن زيادة طلب فئة كبار السن على الخدمات العلاجية وأسرّة المستشفيات، وفقا لتقرير صادر عن بنك الاستثمار "ألبا كابيتال".

أخبار متعلقة :