نبض لبنان

تفشي كورونا يؤدي لكشف سرّ كلمة عربية مشهورة

كثيرة هي الكلمات العربية التي تغيّر معناها وسياق استعمالها، فانتقلت من حال إلى حال، بسبب التطور الحضاري والاشتقاق اللغوي والاستعمال المجازي للمعاني. ومن ضمن هذه الكلمات، كلمة "العدوى" والتي تنتشر بقوة، منذ شهور، مع تفشي الفيروس المستجد كورونا، فيما هي حاضرة بقوة في سياق أي تعبير عن الأمراض التي يمكن أن تتفشى، كالأوبئة بصفة خاصة.

العَدوى طلب المعونة

فالعَدوى، في أصل العربية، هي طلب المعونة من أحد أو شيء أو جهة. والاستعداءُ، والذي بدوره يستعمل بغير أصله، الآن، ويأتي بمعنى العداوة، هو طلب المعونة. وكان يقال: استعديتُ الأميرَ على فلانٍ، فأعداني. أي استعنتُ به، عليه، فأعانني. والاسم من ذلك، هو العدوى، أي المعونة. وبهذا يكون الاستعداء، طلباً للعدوى، أي طلبا للمعونة. يجمع على ذلك صاحبا "تاج العروس" و"الصحاح".
وترد العدوى، الآن، كما سبق لها واستعملت بالمعنى نفسه، بصفتها التقاطاً لمرض، يؤدي لسريان وتفشٍ لعلة ما ناتجة من فيروس أو بكتيريا. وعلى هذا الأساس الجديد القديم، فإن العدوى، انتقال المرض من واحد لجمْع، أو من جمعٍ لجمع. ولأن العدوى، بالاستعمال الحالي، تعني التقاط الفيروس ثم الوقوع في المرض، فإنها انقلبت شرّاً، بعدما كانت خيراً، حيث خرج معناها، من كونه معونة، إلى كونه عدوى ومرضاً.

ومع التفشي القاتل للفيروس المستجد، كورونا، أو COVID-19، أصبح استعمال كلمة العدوى، منتشراً كالنار في الهشيم، فالعدوى، الآن، هي التقاط له يؤدي لتفشٍ للمرض قد يفضي إلى الموت، كما في حالات كثيرة حول العالم. فصار يقال: "مكافحة العدوى" أو "منع انتشار العدوى" و"الوقاية من العدوى"، فيما كانت العدوى، المعونة. فإذا فسِّرت الكلمة، بمعناها المعجمي السابق، فسيكون المعنى على الشكل التالي: مكافحة العدوى، ستعني مكافحة المعونة. و"منع انتشار العدوى" سيكون منعاً للاستعداء، أي طلب المعونة، لكن الكلمة خلعت ثوبها القديم، ودخلت في الجديد، وصار معناها موحداً وثابتاً، ويعني التقاط المرض ونقله إلى الغير، بعدما كانت طلباً للمعونة.

إبطال العدوى لهذا السبب

الطبيعة الألسنية الخاصة، لكلمة العدو، في العربية، ومنها جاءت العدوى أصلا، زادت في معانيها المجازية، مع كل ما تتضمنه من تضارب في بعض الأحيان. فالعدوّ، ضد الصديق، طبعاً، لكن إذا قيل: أعدى فلاناً عليه، فيكون المعنى: نَصَرَه وأعانه، وهنا أيضا يكون الاسم فيها، هو العدوى، بحسب "تاج العروس" الذي يضيف فيها ويقول: العدوى، النصرة والمعونة.

ويقال في العربية: أعداهُ، بمعنى قوَّاهُ. ويشار إلى أطراف الشيء، بجمع الأعداء، فيقال: أعداءُ الوادي، أي جوانبه. والعدى، الناحية، وبألف، هي أيّ ما يوضع بين خشبتين. والعِدى، بذات الوقت، الأعداء، ما هو ضد الصديق. وفي المعاداة، التباعد. وعادى شَعره، رفعه عند غسيله له. وتعدَّوا، وجدوا شيئاً ما، فيقال تعدّوا أي وجدوا لبناً يشربونه.

وفي سياق الأمراض، كانت كلمة العدوى، حاملة المعنى الذي يستعمل الآن، بانتقال المرض من شخص إلى آخر. فبحسب "تاج العروس" فإن العدوى من معانيها، انتقال المرض، فيقول: والعدوى، ما يُعدي من جَرَب أو غيره، وهو مجاوزته من صاحبه، إلى سواه. فيقال: أعدى فلانٌ فلاناً، من علّة به أو جَرَب.

هكذا تكون العربية، قد قدمت للعدوى، معنيين، الأول غُيِّب، والثاني غُيِّب أيضاً. فالعدوى التي هي من طلب المعونة، لم تعد تستعمل الآن، كذلك فإن العدوى التي تعني انتقال المرض من شخص إلى آخر، قد تم إبطالها، بحسب ما ذكره "تاج العروس" من تاريخية معنى الكلمة. ويظهر أن معنى كلمة العدوى المشير إلى انتقال الأمراض، قد فهِم على أنه انتقال للمرض، من إرادة البشر، وحسب. فيقول التاج إنه تم إبطالها، لأنهم كانوا يظنّون أن المرض بنفسه يتعدّى.

"ما عدا من بدا؟"

ويوضح ابن فارس صاحب "معجم مقاييس اللغة" وقبل "تاج العروس" بقرون، أن العدوى، هي طلبك إلى والٍ ليُعديك على من ظلمك، أي ينتقم منه باعتدائه عليك. وتأتي المعاداة بمعنى مناقض: فهي الموالاة والمتابعة، أيضاً. ويفصّل التاج أكثر في استعمال الفقهاء مصطلح "مسافة العدوى" فيقول: والفقهاء يقولون: مسافة العدوى، وكأنهم استعاروها من هذه العدوى، لأن صاحبها يصل فيها، الذهابَ والعودَ، بعدْوٍ واحد، لما فيه من القوة والجلادة. والماء إذا جرى، فهو يعدو.

ويقال في العامّية، المثل الدارج: ماعدا من بدا" فيصححه تاج العروس على هذا الأساس، فيقول: هذا خطأ، والصواب "أَمَا عدا" بألف الاستفهام، أي: ألم يتعدَّ الحقَّ من بدأ بالظلم؟

أمّا بخصوص الأسماء المشتقة من رحلة الكلمة "عدو" التي فيها العدوى والعداوة والعدو والأعداء والاستعداء، فيقول بعض الإخباريين واللغويين العرب: كل شيء في العرب، عَدِيٌّ، بفتح العين، إلا عُدَي بن ثعلبة بن حيان. مع الإشارة إلى تحريك مختلف لحروف الاسم، يناقض ما قطع به بعض اللغويين، وهو اسم عِدْي، بكسر العين وسكون الدال.