تسببت غارة جوية قامت بها طائرات حربية لم تحدد هويتها، بموته، ليس بعد تعرّضه لإصابة جرّاء القصف أو رمي القنابل، بل بسبب شدة الخوف الذي ضربه، فمات على الفور. هو عبد القادر أفندي ابن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني 1842-1918م.
وعلى الرغم من أن السلطنة، تاريخياً، يقوم عصبها الرئيس على الحروب التي نشرتها في كثير من بقاع العالم ومنها العالم العربي، وعادة ما يتم إعداد الأبناء لمثل هذا العنف، إلا أن المفاجأة أن ثاني الأبناء الذكور وخامس أولاد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، كان لا يحتمل مجرد سماع أصوات قصف الطائرات، فتوقّف قلبه، نتيجة للرعب الذي ألم به، بعد غارة جوية، على مدينة صوفيا البلغارية، في الحرب العالمية الثانية، من دون أن يتم تحديد اليوم الذي مات فيه، أو الدولة التي قامت بالغارة الجوية، وصودف وجود ابن السلطان العثماني الذي لا يقوى على سماع أصوات الانفجارات.
توقف قلبه من شدّة الرعب!
وكان عبد القادر يعيش في بلغاريا، منذ صدور القانون الخاص بطرد الأسرة العثمانية من تركيا، عام 1924، هو والعشرات من أبناء تلك العائلة التي عاش أغلب أفرادها بالمنافي، بعد قيام مصطفى كمال أتاتورك (1881-1938م) بإلغاء جميع المظاهر العثمانية من البلاد، ومنها إلغاء ارتداء الطربوش، منعاً باتاً.
وتقول شقيقة عبد القادر، الأميرة عائشة في مذكراتها، إنه "توفي في صوفيا من الرعب الذي وقع أثناء غارة جوية أيام الحرب العالمية الثانية" مشيرة إلى أنه دفن في المدينة ذاتها التي توقف فيها قلبه من الخوف.
وتفصّل الأميرة عائشة بعض الشيء، حول طريقة وفاة أخيها من الخوف في بلاد المنفى، وتتحدث عن غارة جوية ضربت المكان الذي يؤوي شقيقها، ففرّ إلى أحد الملاجئ الذي على ما يبدو كان يغص بلاجئين آخرين، وعندما استولى "الرعب على كل من في المخبأ، توقّف قلبه فجأة، فسقط على الأرض، ومات ميتة مفجعة" قالت الأميرة.
وتصف الأميرة عائشة شقيقها الذي مات من رعب غارة جوية، وولد عام 1878، أي أنه عاش في كنف أبيه السلطان العثماني، أربعين سنة كاملة، بأنه "سريع الغضب" و"مفرط في كل شيء".
مرض غامض
ورزق عبد القادر بثلاثة ذكور وابنتين، بعدما تزوج خمس مرات، وطلق ثلاثا من نسائه.
ومن مفارقات ابن السلطان العثماني الذي أماته الخوف من قصف الطائرات، أنه وضع اسماً لابنه يعود لأحد أكثر الأسماء التي يمجّدها العثمانيون، وهو أرطغرل، والد عثمان "الغازي" المتوفى سنة 1324م، ويعتبر المؤسس الفعلي للسلطنة العثمانية.
وكان لعبد الحميد الثاني، ابنة أخرى ماتت أثناء الحرب العالمية الثانية، وتدعى الأميرة نعيمة، دون أن تعرف طريقة موتها.
يذكر أن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، فقد ابنته الكبرى، وهي على حياته، الأميرة علوية التي توفيت عام 1875م وكان يومذاك أميراً لم يعتل العرش بعد. وتقول القصة إن الأميرة علوية ماتت حرقاً بعدما اشتعلت النيران في جسدها. وهي أول عيال السلطان، بحسب التاريخ الرسمي للأسرة.
وبعد مأساة عبد الحميد بموت ابنته الكبرى حرقاً، دهمته مأساة ثانية بموت ابنته الأميرة خديجة، دون أن تنهي عامها الأول. وماتت خديجة بمرض أصابها، لم يحدد. ثم مات ابنه الأمير محمد بدر الدين، بعد ولادته بعامين، وأيضا بسبب مرض لم يحدد. وكذلك ضرب الموت المفاجئ آخر أبناء السلطان عبد الحميد والبالغ عددهم 17، وهي الأميرة سامية، التي ماتت وهي طفلة صغيرة، بسبب المرض الذي لم تعرف هويته، لكن لفتت الأميرة عائشة في مذكراتها، إلى أن هناك من تقوّل على أبيها السلطان، بوجود "الجمرة الخبيثة" في قصره.
فشل محاولة القبض على ذبابة!
وشنت الأميرة عائشة، في هذا السياق، هجوما على طبيب والدها، والمعروف باسم جميل باشا الذي ترك مذكرات بعنوان (مذكراتي لثمانين عاماً) وذكر فيها، أن مرض الجمرة الخبيثة، قد ضرب السراي. وعلى الرغم من أنها هاجمته بشدة، فقد أكدت الأميرة عائشة، وجود مرض الجمرة الخبيثة في قصر السلطنة العثمانية، وأن الدكتور جميل باشا، أجرى عملية جراحية لمربّيتها التي أصيبت بها.
وبحسب عائشة التي شككت بروايات طبيب والدها، فإن عبد الحميد الثاني، استدعى الدكتور جميل، وسأله عن كيفية انتقال عدوى الجمرة الخبيثة، فأخبره طبيبه، بأن العدى انتقلت من طريق "الذّباب" الذي في الحمّام، فأمر السلطان العثماني بهدمه. إلا أن الطبيب أخبره بأن لا داعي لهدم الحمام، إذ يمكن قتل الذباب الناقل للجمرة الخبيثة، من طريق الكبريت.
وأمر السلطان العثماني، في هذا الصدد، بالقبض على الذبابة التي تسببت بنقل عدوى الجمرة الخبيثة، على أن تكون حية لا ميتة! وأسند تلك المهمة لعصمت باشا، الذي خارت قواه وهو يسعى للقبض على تلك الذبابة بمغرفة مغطاة بشبكة صيد سمك! إلا أن الطبيب، صاحب المذكرات، استأذن على السلطان، متوسلا إليه أن ينقذ عصمت باشا من صيد الذباب، حسب ما نقلته عائشة ابنة عبد الحميد الثاني، وتسمى عائشة عثمان أوغلي.