على غرار ما حصل في تاريخ اللغة العربية، ساهم غير العرب في إثراء الخط العربي، وتركوا بصماتهم التي صارت جزءا جوهريا من هوية هذا الفن، وصار بعضهم "قبلة" الخطاطين، نظراً للأثر الكبير الذي تركه في لوحاته، حتى صار مدرسة مستقلة في هذا المضمار.
وأشهر من هم ليسوا من أصل عربي، في القرون السابقة، وصاروا من أهم أسماء فن الخط، ياقوت المستعصمي، والذي يعرفه ابن كثير في (البداية والنهاية) بأنه ياقوت بن عبد الله، لقبه جمال الدين، وأصله روميّ، كان فاضلا مليح الخط مشهوراً بذلك".
الرّومي البارع في الخط العربي
ولا تختلف غالبية المصنفات العربية القديمة، في تحديد زمن وفاة المستعصمي، في سنة 698هـ. وأصبحت هذه السنة، في معظم كتب التراجم، مكاناً لذكر المستعصمي الذي يندر أن تحضر في كتاب تاريخي، إلا ويقال في وفياتها: وهي سنة وفاة ياقوت. الخ.
وبحسب المصادر التاريخية، فياقوت دخل المنطقة العربية، قادماً من أرض "الروم" دون أن يتم تحديد أي روم يقصد به الاصطلاح المذكور. وسعت بعض المصادر العثمانية، لجعل المستعصمي من أصل تركي، على اعتبار أنه رومي، من القسطنطينية التي كانت عاصمة بيزنطة. فيما أكابر الإخباريين العرب، وقفوا فقط عند وصفه بالرّومي، دون ذكر أي إضافة.
وفي موجز لمن ترجم له، تنقل "العربية.نت" أشهر تعريف بالرجل، لدى الإخباريين القدامى، فهو "الأستاذ جمال الدين ياقوت المستعصمي الروميّ صاحب الخط البديع الذي شاع ذكره شرقاً وغرباً". ودخل المستعصم في لقبه، من الخليفة المستعصم آخر خلفاء بني العباس في بغداد، الذي "رباه وأدّبه" يروي الإخباريون.
هدايا الملوك بخطّه
وتظهر قيمة ياقوت، لدى الإخباريين المتأخرين، فينقلون أن المصحف المكتوب بخط ياقوت، كان الهدية المفضلة ما بين الملوك. ويروي السخاوي في ضوئه اللامع، أن من بين جملة هدايا أرسلت لـ"متملك الرّوم" سنة 877هـ، نسخة من القرآن الكريم، بخط ياقوت. ما يؤكد المنزلة الرفيعة التي وصل إليها خط هذا الرجل، ليكون هدية ما بين الملوك.
وبحسب ما طالعته "العربية.نت" عند كثير من الإخباريين، فإن ياقوت الخطاط، صار معيارا جماليا تقاس به الخطوط وتحدد به أحجام الخطاطين. فيقال في الخط "كياقوت" ووصل في الخط "ما وصل إليه ياقوت" وبلغ ما بلغ، الخ. ثم تم وصفه بـ"الإمام" الذي يقتدى به في الخط. يقول الذهبي في تاريخه: "ياقوت المستعصمي، المجوّد، صاحب الخط المنسوب، روميّ الجنس" ثم يضيف عن براعته في الخط: "قويت يده وركَّبت أسلوباً غريباً غاية في القوة، وصار إماماً يقتدى به".
لم يصل أحد إلى ما وصل إليه
من "القبلة" إلى "الإمام"، إلى لقب الخطاط ذاته الذي حازه ياقوت. إذ هناك كثير من المشتغلين بالنسخ، ويسمون مجازاً، خطاطين، فيما لقب الخطاط لا يطلق إلا على المتقن المتفنّن الماهر برسم الخطوط وإبداع أبعاد هندسية لا يتقنها سواه. وأكد المؤرخ حبيب بيدابيش، في مصنفه المرجعي عن تاريخ الخط العربي والمعروف باسم (الخط والخطاطون)، أن ياقوت المستعصمي اكتسب لقب "الخطاط" في الوقت الذي لم يستطع فيها سلفه المشهور ابن البواب المتوفى سنة 423، وهو من أوائل الخطاطين الكبار، من اكتساب هذا اللقب، بحسب بيدابيش.
ويقول الباحث الدكتور صلاح الدين المنجد، في كتاب وضعه بياقوت المستعصمي، حمل اسمه، إن ياقوت قدم إلى بغداد "في جملة الرقيق" وإذا به، مع مرور الزمن، يتعلم الخط العربي ويتقنه، بل أصبح شاعراً كتب الشعر حتى في فن الخط، وصار "قبلة الكتّاب" وينقل من مصادر تاريخية قولها عن تفوقه بالخط وتفوق غيره بالخط العربي "لكنهم لم يبلغوا هذه الغاية" أي المستوى الرفيع الذي وصل إليه.
أُم الخطوط العربية
ومن الجدير بالذكر، أن ياقوت المستعصمي لم يترك وحسب أجمل اللوحات للخط العربي، بل تنسب إليه، أقدم أبجدية عربية مرسومة عثر عليها حتى الآن، كما يقول باحثون، تنشرها "العربية.نت" مع جملة لوحات له مأخوذة من كتاب (موسوعة الخط العربي والزخرفة الإسلامية).
ومن أشهر أنواع الخطوط العربية، خطّ الثلث، ويعرف بأُم الخطوط وأمير الخطوط، ولا يعد المرء خطاطاً إلا إذا أتقنه، ويعتبر من أصعب الخطوط، بحسب (تاريخ الخط العربي وآدابه) لمحمد طاهر الكردي المكي الخطاط. ومن الخطوط العربية، النسخ، والرقعة، والديواني، والفارسي، والتوقيع، والكوفي الذي يعتبر من أقدم الخطوط عند العرب، وكذلك الخط المغربي الذي يعد متفرعاً عن الكوفي، والخط الريحاني، وخط الطرة أو الطغرى.