نبض لبنان

قصص مفزعة.. مما ارتكبه العثمانيون في ليبيا

يبدو تاريخ العثمانيين في ليبيا، واحداً من أغرب وأعنف تواريخ الاستعمار، نظراً لما تضمنه من اضطراب وصراع على السلطة وعنف وصل حد أن يندر موت أحد الولاة العثمانيين الذين حكموا طرابلس، إلا انتحاراً أو بيد غيره، حسب ما ورد في واحد من أهم الكتب التي تناولت المرحلة العثمانية في ليبيا، وهو كتاب (ولاة طرابلس، من الفتح العربي إلى نهاية العهد التركي) للمؤرخ الطاهر أحمد الزاوي.

معظمهم مات قتلاً أو انتحاراً

وعلى الرغم من أن العثمانيين قد سلّموا ليبيا لإيطاليا، عبر اتفاقية (أوشي-لوزان) التي وقعها العثمانيون مع الإيطاليين عام 1912، وتم بموجبها تسليم الأتراك لليبيا ومنحها للاستعمار الإيطالي، إلا أن من مفارقات الحكم العثماني لهذا البلد، أن أول والٍ عينوه لطرابلس، كان من أصل إيطالي، وهو مراد آغا، أول وال تركي على طرابلس، ويعرّفه الزاوي السابق ذكره بالتالي: "ومراد آغا، أصله إيطالي".

وتولى حكم طرابلس الليبية، 72 والياً تركياً، قضى 70% منهم بالقتل أو الانتحار. ويقول الزاوي عن عهود الحكام الأتراك لطرابلس: "ابتدأ العهد التركي في شعبان سنة 958 هجرية، الموافق آب/أغسطس سنة 1551 ميلادية، ويتسم هذا العهد بالظلم والفوضى وسلب الأموال وعدم التقيد بأي شريعة إلا ما تمليه إرادة الوالي".

وبلغت أقصر مدة لحكم الولاة العثمانيين لطرابلس، يومين فقط، وهو الوالي (يلك محمود) الذي لم يكتب له الحكم أكثر من هذه المدة، بعدما عزله الترك الذين عيّنوه "وهكذا يستبد الترك بطرابلس" يقول الزاوي في تاريخه الذي كشف فيه أن المواطن الليبي الذي كان يعجز عن دفع الضريبة للعثمانيين، فكان يحمل على ظهر جمل أو يجرّ مكتوفاً بذيل حصان، ثم يساق إلى السجن. أما إذا "أفلت من هذا العذاب" وفرّ من جنود الوالي، ففي هذا الحالة يقوم الجنود بإلزام جاره هو، بدفع ما عليه من ضريبة!

اغتصاب طفل أمام عيني أبيه!

وعن الولاة العثمانيين الذين حكموا طرابلس، ثم قتلوا أنفسهم انتحاراً، يتحدث تاريخ الزاوي عن الوالي عثمان باشا الساقسلي، وكان أحد أقسى طغاة الأتراك، إذ عين أقرباء له قُواداً، وبلغ فيهم الظلم، أنهم "لا يسمعون بامرأة جميلة إلا اغتصبوها من زوجها" يقول الزاوي الذي كان أحد مصادره، أهم كتب تاريخ العثمانيين في ليبيا، وهو (التذكار فيمن ملك طرابلس وما كان بها من الأخيار) لابن غلبون، محمد بن خليل الطرابلسي، من القرن 17 الميلادي، ويعتبر "مؤرخ ليبيا" فيورد حوادث كثيرة من عنف العثمانيين بحق أهل ليبيا، وصلت حد اغتصاب طفل أمام عيني أبيه الذي كان "من أعيان البلد" فأخذ يستغيث ويصرخ بالناس لإنقاذ ابنه مما يحل به، فأمر الوالي الساقسلي "بضربه بالسياط حتى مات!" عقوبة له على صراخه واستغاثته.

ثم انتحر الوالي العثماني المذكور، بتناول السم، بعدما رأى جموع الثائرين عليه المطالبين برأسه والانتقام منه على ما ارتكبه هو وأقرباؤه من فظائع بحق أهل طرابلس.

قتلوه ثم أكلوا لحمه!

الكتابان المذكوران اللذان يعتبران أهم مرجعين عن الحكم التركي لليبيا، لم يسردا وحسب فظائع الولاة وما فعلوه بأهل طرابلس، بل نبّها إلى الآلية "المتعسفة" التي كان يحكم بها الأتراك ذلك البلد، حيث كان "يؤتى بالقهوجي" لتعيينه والياً، وبالترزي أيضاً، الأمر الذي زاد في فظاعة الأحداث وتفاقم الفوضى والفساد في ليبيا.

وأحد ولاة طرابلس، هو عثمان القهوجي الدرغوتلي، كان قهوجياً في الأصل "كان يطبخ القهوة بسوق التُّرك" وبقي القهوجي والياً على طرابلس أربعة أشهر في سنة 1113 للهجرة. وعن عهده قيل: "وماذا يرجى من بائع قهوة رفعته ظروف الفوضى إلى منصب والٍ أكبر وظيفة".

أمّا في عهد الوالي، إبراهيم الترزي (الخياط) على طرابلس، فقد بلغ حجم العنف مستوى غير مسبوق، تمثل بأكل لحم رجل بعد قتله، تعبيرا من قاتليه عن شدة حقدهم عليه.

ويورد (التذكار) السابقة الإشارة إليه، نشوب معركة بين رجال العثمانيين في ليبيا، بطلاها الوالي العثماني الترزي، وآخر يدعى (مراد) كان مشهورا بشدة نفوذه وسلطانه الواسع، والتقى جيشا الرجلين عند منطقة (عرقوب تاجوراء) الليبية، وتمكن جنود الوالي العثماني الترزي، من أسر (مراد) ثم قتله، ثم "أكَلَ بعض الجند من لحمه!".

وختم (ولاة طرابلس) في مقدمة فقرة الولاة العثمانيين، بالقول موضحاً طبيعة الحكم التركي لها: "وكان يؤتى بصاحب المقهى من مقهاه، وبالخياط من حانوته، وينادى به والياً على طرابلس. وهذا قليل من كثير مما عانته طرابلس في العهد التركي، حتى جاء الاحتلال الإيطالي وهي لا تملك من مقومات الحياة شئياً".