لاقى مسلسل "ممالك النار" الذي بثته شاشة "إم بي سي MBC"، واختتمت حلقاته أول أمس، تفاعلاً كبيراً وصدى واسع النطاق، وحصد إعجاب المشاهدين والمتابعين.
كان المشهد الأبرز هو مشهد النهاية، الذي أعدم فيه العثمانيون السلطان المملوكي لمصر "طومان باي"، حيث حظي بأكبر قدر من البحث والمشاهدة على "غوغل" و"يوتيوب".
وقع إعدام طومان باي عند "باب زويلة"، جنوب العاصمة المصرية القاهرة، في يوم الاثنين 23 إبريل من العام 1517، الموافق21 ربيع الأول سنة 923 هـجرية، ويصف المؤرخ المصري ابن إياس الحنفي في كتابه "بدائع الزهور في وقائع الدهور" ما جرى قائلاً: "سيق طومان باي في حراسة 400 جندي من الإنكشارية، مكبلاً فوق رأسه، وخرج الناس في القاهرة يلقون عليه نظرة الوداع، فنظر إلى قبو البوابة ورأى حبل المشنقة يتدلى، فتقدم نحو باب زويلة بخطوات ثابتة، والتفت إلى الناس طويلاً، وطلب أن يقرأوا له الفاتحة ثلاث مرات، ثم التفت إلى الجلاد، وطلب منه أن يقوم بمهمته".
وأضاف ابن إياس: "في المحاولة الأولى من الجلاد لشنق طومان باي، انقطع الحبل وسقط السلطان المملوكي على عتبة الباب، ثم فشلت المحاولة الثانية، وفى الثالثة فاضت روحه وسط حزن الناس وبقي مصلوباً ثلاثة أيام ثم أنزل ودفن خلف مدرسة الغوري".
ويصف إبن إياس طومان باي قائلاً: "كان شابا حسن الشكل كريم الأخلاق، سنه نحو 44 سنة، وكان شجاعاً بطلاً تصدى لقتال ابن عثمان، وفتك في عسكرهم وقتل منهم ما لا يحصى، وكسرهم ثلاث مرات وهو في نفر قليل من عساكره".
ما هو "باب زويلة" الذي شهد إعدام آخر سلاطين المماليك في مصر؟
يقول الدكتور نادر عبدالدايم، أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآداب جامعة عين شمس لـ"العربية.نت"، إن "باب زويلة" بُني في العام 485 هجرية - 1092 ميلادية، في عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، وعلى يد القائد العسكري بدر الجمالي، وسمي بـ"باب زويلة" نسبة إلى قبيلة زويلة، وهي قبيلة مغربية قدمت إلى مصر مع الفاطميين واستقرت بالمنطقة التي تقع جنوب القاهرة.
ويضيف أنه في عصر السلطان المملوكي المؤيد أبوالنصر شيخ تم بناء مسجد، وقام مهندس الجامع باستخدام برجي "باب زويلة" ليقيم عليهما مئذنتي المسجد، وهما المئذنتان اللتان مازالتا تحملان شعار محافظة القاهرة.
يتكون الباب، كما يقول أستاذ الآثار، من هيكل بنائي يصل ارتفاعه إلى 24 مترا، ويبلغ عرضه نحو 25 مترا، واشتهر بكونه البوابة التي عُلقت تحتها رؤوس الرسل الذين كان يرسلهم هولاكو، قائد التتار، لتهديد سلاطين مصر، ويقع في نهاية شارع المعز لدين الله الفاطمي، وسُجل كواحد من الآثار الإسلامية
وخلال احتلالهم لمصر ابتداء من العام 1517، وعقب إعدام طومان باي، ارتكب العثمانيون مذابح جماعية بحق المصريين، راح ضحيتها الآلاف.
ويصف المؤرخ المصري ابن إياس الحنفي، في كتابه "وقائع دخول القوات العثمانية مصر بقيادة سليم الأول"، حيث يقول "لقد هاجم العثمانيون بيوت الأمراء والأعيان ينهبونها، ثم توجهوا إلى الطواحين واستولوا على البغال والجمال، واختطفوا الأطفال وهاجموا مخازن القمح واستولوا على ما بها من غلال، ثم داهموا الحارات وقتلوا كل من يشتبهون به، ولما تكاثرت رؤوس القتلى نصب العثمانيون أعمدة علقوها عليها"، مضيفاً أن العثمانيين بدأوا يعيثون في القاهرة ويحرقون المساجد ويقتلون الأهالي حتى بلغ عدد القتلى في اليوم الأول نحو عشرة آلاف وكانوا يلقون بالجثث في النيل.
ويقول الدكتور محمد صبري الدالي، أستاذ التاريخ بجامعة حلوان لـ"العربية.نت" إن "العثمانيين واجهوا مقاومة شرسة وبسالة منقطعة النظير من المصريين الذين أحزنهم ما جرى لطومان باي، ولذلك ارتكبوا فظائع ومجازر في حقهم"، مضيفاً أن المصريين كانوا يدركون أن "العثمانيين غزاة ومحتلون"، ولذا قاوموهم ببسالة، وهو ما دفع العثمانيين لقتلهم، وارتكاب مذابح بشعة بحقهم.
ويضيف أن العثمانيين قتلوا في اليوم الأول لدخولهم القاهرة 10 آلاف مصري، مشيراً إلى أن العدد زاد في اليوم الثاني إلى 20 ألفا، وارتفع بعد ذلك إلى 50 ألفا حتى استقر حكمهم الذي دام نحو 400 عام.