كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:
إذا كان الغريق يتعلق بقشّة، فإن اللبناني يتعلّق بأي كلمة “ايجابية”، فيهرع الى صرف بعضٍ من دولاراته المخزّنة خشية من أن يسجّل مزيداً من التراجع، ما يؤدي الى خفض سعر تداوله بالسوق السوداء. هذا ما حصل في نهاية الأسبوع الماضي بعد تكليف الرئيس سعد الحريري واجتماعاته الإستشارية، فهبط الدولار مدعوماً بعوامل إقتصادية من هنا وأخرى سياسية من هناك.
قُبيل تكليف الحريري بأسبوع، عمد مصرف لبنان الى اتخاذ تدابير جفّف من خلالها التداول نقداً في الأسواق بالعملة الوطنية والتحفيز على الدفع من خلال بطاقات الإئتمان والشيكات. فتوقّف اللبنانيون عن شراء الدولار تخوّفاً من أن تدخل الليرة بدورها في دائرة الشحّ بعدما شكّلت كميّة التداول نقداً بها في الفترة الأخيرة رقماً قياسياً. حتى كادت قيمة الليرة “الكاش” تفوق قيمة الشيكات على غرار ما حصل بالعملة الخضراء.
هذا الأمر جعل الأسواق تتلقّف تراجع سعر صرف الدولار بشكل تدريجي من 8400 ليرة منذ ثلاثة أسابيع الى 7500 ليرة خلال الأسبوع الماضي، فإلى نحو 7100 ليرة يوم التشكيل ثمّ الى 6400 ليرة أمس الأول. إلا أنه عاد أمس وارتفع قليلاً صباحاً عند 6450 ليرة للبيع و6600 ليرة للشراء، وعاد مساءً وسجل المزيد من الإرتفاع الى 6600 ليرة للشراء و6700 ليرة للبيع.
فالملامح الحذرة التي سادت بعيد لقاء الرئيس المكلف رئيس الجمهورية يوم السبت واستمرارها على الوتيرة نفسها ليوم أمس، حالت دون تسجيله المزيد من التراجعات.
سوق صغيرة
نائب حاكم مصرف لبنان السابق سعد عنداري يرى خلال حديثه الى “نداء الوطن” أن “توقعات المواطنين الإيجابية التي جاءت بعد سرعة التكليف والوعد بسرعة التأليف في ظلّ الرقابة الدولية على لبنان، أدت الى تراجع سعر الدولار في السوق السوداء، خصوصاً في ظلّ وجود جديّة في التأليف والتي لا يجب أن تتطلّب الوقت الطويل. ناهيك، عن أن سوق بيع الدولار ضيّقة وصغيرة، كل ذلك تضاف اليه إجراءات مصرف لبنان التي تقضي بخفض التداول بالنقد ما زاد من عرض الدولار بهدف بيعه ولو كان ذلك بشكل محدود”.
“فمن الطبيعي ان يستمرّ الدولار في منحاه التراجعي في حال تسارعت وتيرة التأليف وتلتها الإصلاحات رغم صعوبة هذا المسار”، يقول عنداري. لافتاً الى أن “تأخير أسبوع أو اثنين على عجلة التطورات الإيجابية، من شأنه، عودة سعر الدولار الى الإرتفاع، عندها نعود الى دائرة حكومة حسّان دياب”، وبذلك نكون مجدداً في مرحلة ضياع الوقت.
وحول ربط تشكيل الحكومة الحالية بالإنتخابات الأميركية، يوضح عنداري أن “هذا الأمر قائم بسبب آفاق بعض السياسيين الضيّقة. فنحن في مكان والسياسة الأميركية في مكان آخر، إذ أنها لن تحدث تغييرات كما نتوقّع، فمن يقرر الإستراتيجية الأميركية هو الإدارة وليس رئيس البلاد. وحتى لو لم يُنتخب دونالد ترامب مجدداً كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، لن يحصل أي تغيير سريع، اذ أن إمكانية نزع سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ أمر غير مؤكّد. كل ذلك عدا قطار التسويات الذي يسير في منطقة الشرق الأوسط بإدارة ترامب، من هنا فأي إدارة جديدة ستستقلّ القطار نفسه”.
وحذّر عنداري “من هدر الوقت والتأخّر في الشروع في الإصلاحات، لأن إحتياطي مصرف لبنان على شفير النفاد ما يبشّر بوضع أسوأ مما نحن عليه اليوم”.
مرحلة شراء الوقت
وفيما يعتبر البعض أن الحلّ آتٍ لا محالة هذه المرة بفضل “الليونة” الدولية ونظراً الى أن الوضعين الإقتصادي والمالي لم يعودا يحتملان المزيد من الإنتظار، يحذّر البعض الآخر من الإقتصاديين ذات النظرة الأكثر تشاؤمية من أن ما يحصل ليس سوى مرحلة لشراء المزيد من الوقت، إذ أن التحدّي الأكبر يكمن في حال تشكّلت الحكومة في تنفيذ الإصلاحات المتوافَق عليها محلياً ودولياً، لاسيما إعادة إعمار بيروت والمرفأ، وإصلاح قطاع الكهرباء وتشكيل هيئة ناظمة، وإقفال الحدود البريّة غير الشرعية لوقف التهريب…
المصدر: لبنان 24