أدّت سياسات "دعم" الليرة والقمح والدواء والمحروقات العشوائي وغير المدروس الى نزيف حاد في احتياطيات مصرف لبنان من الدولارات وهي كانت وفقاً لتقرير "فيتش" سلبية منذ العام 2019. تفاقمت سلبية الأرقام مع قرار الحكومة بدعم سلّة من السلع خصوصاً مع وصول مستوى التهريب عبر المعابر غير الشرعية للسلع المدعومة، والتي تستفيد منها "الكارتيلات" الى نسب غير مسبوقة.
ترافق ما ذكرته "رويترز" مع اعلان وزير المال غازي وزني ان رواتب القطاع العام لشهرَي آب وأيلول مؤمّنة، من دون أي ذكر للمصير الضبابيّ الذي تحمله الأشهر المقبلة لموظفي الإدارات الحكوميّة.
ففي ظلّ الشحّ بالدولار من المصارف ومعها البنك المركزي، كان مصرف لبنان يدعم طوال الأشهر الماضية شراء المحروقات بنسبة 90 % وبذلك كان داعماً لمادة المازوت المهربة الى سوريا، ما أفقده من قدراته الاحتياطيّة بالدولار.
ذلك يعني ببساطة انه لم يعد أمام لبنان سوى خيار أوحد وهو النفط العراقي الذي يمثل الخيار المشرقي، بما أنّ عمليّة "الدعم" تتمّ راهناً من أموال المودعين. واذا ما استمرت العراقيل لن تجد الشركات المستوردة للمشتقات النفطية، سوى الـSpot Cargo كخيار لتأمين الحاجة السوقية من المواد البترولية، مع كلّ ما تتطلبه هذه الآلية من دولارات نقدية ووفقاً لسعر صرف السوق السوداء.
وبانتظار قرار رفع الدعم عن المواد النفطية وتحديداً مادة الديزل، بدأ اشخاص كثيرون منذ فترة يلجأون الى تخزين المازوت في خزانات منها مكشوف ومنها تحت الأرض في محاولة لتهريب أموالهم المحتجزة في المصارف واستثمارها في مواد يمكنهم بيعها في وقت لاحق بسعر أعلى.
ومن المتوقع، بحسب ما أفادت مصادر مطّلعة لـ"لبنان 24" ان تشهد الأسابيع القليلة المقبلة أزمة حادة في السوق المازوتية، خصوصاً بعد تسريبات مصرف لبنان والتي تناولت رفع الدعم عن المحروقات. وبدلاً من وقف التوزيع العشوائي، تشدد المصادر على انّ وزير الطاقة والمياه ريمون غجر يقوم بالتوقيع على معاملات توزيع حصص مازوتية من منشأتَي طرابلس والزهراني لـ"بعض" الشركات "المستجدّة"، وبإيعاز من أحد مستشاريه وهو للمناسبة ضليعٌ في "القانونيات". يتم ذلك بحسب المصادر عينها، تحت أعين ووزارة الاقتصاد والتجارة ووزيرها الوصي راوول نعمه الذي وعد بآلية تحرص على عملية توزيع شفافة وهو ما أدى الى تزايد الشكاوى بحق هذه الشركات وهؤلاء "التجار" الحديثي الولادة المتخذين صفة الوسيط السمسار من خلال الاستحصال على حصص من المنشآت ومن ثمّ إعادة بيعها في السوق السوداء وبالتالي تسجيل الأرباح... لا بل الكثير منها، جاعلين سوق التوزيع أقرب الى "الدكانة".
وحتى اللحظة، لا تزال جهود وتدخلات السلطات المختصة وغير المختصة كناية عن محاولة "فاشلة" لضبط السوق. فمن جهتها تلاحق المديرية العامة للامن العام وتراقب عملية التوزيع وتتتبّع الصهاريج لحين التفريغ في المخازن، لكن ورغم كلّ ذلك، يفلح "المهرّبون" بالافلات من ارتكاباتهم. كلّ ذلك من دون سياسة واضحة للقطاع النفطي وهو ما يدفع ثمنه في نهاية المطاف، المواطن اللبناني.
المصدر: لبنان 24