كتبت رنى سعرتي في “الجمهورية”:
بعد انتقاد مشروع الموازنة على انّه خالٍ من فذلكة الموازنة ومن رؤية اقتصادية وتقديرات لأرقام المؤشرات الاقتصادية والمالية التي بُنيت على أساسها تقديرات حجم الإيرادات والنفقات، أصدر وزير المالية امس يوسف الخليل تقريراً حول الموازنة، هو عبارة عن فذلكة الموازنة.
يوضح التقرير، الأسباب الموجبة للاقتراحات الواردة في مشروع الموازنة، والتقديرات المتوقّعة للواردات بالإضافة الى النفقات المتوقعة، كما وتفسير لكافة البنود المتعلقة بالإنفاق على الحماية الاجتماعية والصحية والإجراءات لدعم النمو الاقتصادي.
وأوضح تقرير وزارة المالية، انّه تمّ «تقدير الواردات الاستثنائية بحوالى 10262,6 مليار ليرة لهذا العام، بعد ان كانت مقدّرة بـ5351,7 مليار ليرة في موازنة 2021، اي بارتفاع بحدود 4910,90 مليار ليرة، ومردّ ذلك الى انّه وبالرغم من ارتفاع النفقات العامة المقدّرة حوالى 30639 ملياراً، فإنّ بعض الأجراءات المتخذة في ناحية الإيرادات جاءت لتغطي هذه الزيادة الى حدّ ما، ومنها تقدير انعكاس التعديل في احتساب الرسم الجمركي، وكذلك الضرائب والرسوم بالنسبة لسعر الصرف المفترض اعتماده عند 20 الف ليرة مقابل الدولار».
وتمّ تقدير الإيرادات الضريبية بحوالى 33 الفاً و598 مليار ليرة في مشروع موازنة 2022 مقارنة مع 10 آلاف و472 مليار ليرة مقدّرة في مشروع موازنة 2021.
وقد بلغت الإيرادات غير الضريبية المقدّرة للعام 2022 بحوالى 5 آلاف و555 مليار ليرة مقارنة مع 2953,28 مليار ليرة تمّ تقديرها في العام 2021، ليصبح اجمالي إيرادات الموازنة العادية 39154,04 مليار ليرة مقابل 13425,86 مليار ليرة مقدّرة في مشروع موازنة 2021.
اما بالنسبة للوضع المالي المتوقع للإيرادات والنفقات، فإنّ الواردات المرتقبة لعام 2022 تعتمد معدل نمو بنسبة 3 في المئة، ومعدل انكماش بنسبة 90 في المئة، وترتكز على الواردات الفعلية المحصّلة خلال النصف الاول من 2021، كما تعكس الواردات المرتقبة تصحيح سياسات ضريبية تزامناً مع اسعار صرف فعلي لاسيما:
– تطبيق الدولار الجمركي بغية إعادة تقييم الاستيراد واستيفاء الرسوم الجمركية، وذلك بهدف الحدّ من التهرّب الضريبي ولجم القطاع غير الشرعي وتأمين موارد للخزينة.
– العمل على تطبيق تصحيح استيفاء رسم الطابع المالي والرسوم العقارية والرسوم الادارية على القيم المقدّرة بحسب اسعار صرف فعلية.
في هذا الإطار، شكّك عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمال في امكانية تحصيل حجم الواردات المتوقع في مشروع موازنة 2022، أي حوالى 39 الف مليار ليرة، منها حوالى 14 الف مليار مبنيّة على السلع والخدمات، معتبراً عبر «الجمهورية»، انّه رقم مبالغ فيه جدّاً. وشرح انّ حجم الاستيراد الذي حصل في العامين 2020 و2021 وخصوصاً في الفصل الاخير من 2021، ناتج من عملية تخزين للعام 2022، «اي انّ حجم الاستيراد في 2021، والذي تمّ على أساسه تقدير حجم الاستيراد في 2022 وبالتالي الواردات المقدّرة منه، من خلال احتساب قيمة الرسوم المستوفية في 2021 على سعر صرف الـ1500 ليرة وإعادة احتسابها على سعر صرف الـ20 الف ليرة، رقم لن يتحقق، لأنّ حجم الاستيراد في 2021 لم يكن لتلبية استهلاك العام 2021 بل للتخزين ولتأمين استهلاك 2022 بالحدّ الأدنى لغاية النصف الاول من العام الحالي، بعد ان تردّد موضوع رفع الدولار الجمركي».
وأشار رمال الى انّه عند رفع الدولار الجمركي، ستنخفض القدرة الشرائية للمواطنين بشكل كبير جدّاً، وسيزيد الانكماش بنسبة كبيرة، وبالتالي فإنّ المخزون المقدّر ان يلبّي حاجة السوق لمدّة 6 أشهر، سيكفي لمدة عام. وفي النتيجة لن يتحقق حجم الواردات المتوقع في مشروع الموازنة، بل قد تتحقق جباية 50 في المئة منه فقط أي حوالى 20 الف مليار ليرة.
واعتبر رمال انّ الارقام المتوقعة للواردات، وهمية ومبالغ فيها، في مقابل تقليص حجم النفقات، لافتاً الى انّ مشروع الموازنة هو استمرارية للسياسات التي كانت قائمة قبل الأزمة. مذكّراً بمشروع سلسلة الرتب والرواتب الذي تمّ فرض ضرائب لتمويل كلفتها مبنيّة على ايرادات العام 2017، علماً انّ الإيرادات تراجعت في 2018 مليار دولار بدل ان ترتفع وفقاً للتقديرات.
وبالنسبة لتداعيات احتساب الدولار الجمركي والضرائب والرسوم على سعر صرف الـ20 الف ليرة، على المستهلك، قال رمال، انّ شراء السلع المعمّرة المستوردة مثل السيارات وأثاث المنزل والبرادات او الأجهزة الالكترونية، سيصبح بمثابة المعجزة! شارحاً انّ احتساب الدولار الجمركي على سعر صرف الـ20 الف ليرة، يعني انّ السيارة التي تبلغ قيمتها حالياً 15 الف دولار ستصبح بين 30 و 35 الف دولار، إذ انّ قيمة الدولار الجمركي تشكّل حالياً حوالى 15 آلاف دولار من قيمتها، وفق سعر صرف الـ1500 ليرة اي حوالى 1000 دولار fresh. اما عند احتساب الدولار الجمركي وفق سعر صرف الـ 20 الف ليرة، فإنّ قيمته سترتفع الى 375 مليون ليرة اي 15 الف دولار fresh!.
كذلك الامر بالنسبة للأجهزة الالكترونية وغيرها، حيث انّ سعر البراد الذي يبلغ حالياً 1000 دولار سيصبح بين 1500 و1800 دولار، وفقاً لمصدر استيراده. موضحاً انّ السلع المستوردة من اوروبا على سبيل المثال او من الدول العربية، لا تخضغ للرسوم الجمركية بل للضريبة على القيمة المضافة فقط. اما اذا كانت مستوردة من الصين وكوريا فهي تخضع للرسوم الجمركية.
وبالتالي، اشار رمال الى انّ السلع المستوردة من الدول المعفية من الرسوم الجمركية لا يطالها ارتفاع كبير في الاسعار، بل زيادة في الضريبة على القيمة المضافة التي سيتمّ احتسابها على سعر صرف الـ20 الف ليرة مقابل الدولار بدلاً من 1500 ليرة حالياً.
وفي الختام، اكّد رمال انّ هذه السياسات ستؤدي الى انكماش كبير والى ركود تضخمي، خصوصاً انّ سعر الصرف ليس ثابتاً ويشهد تقلّبات كبيرة، «وسيصبح المواطن (80 في المئة من الشعب اللبناني) عاجزاً عن تأمين احتياجاته الاستهلاكية او الغذائية المستوردة او حاجاته من السلع المعمّرة التي لا بديل لها في لبنان».