كما يقوم الأهالي بخداع أطفالهم بروايات تقيهم "صدمة الحقيقة" منذ الصِّغر، هكذا يتعامل المسؤولون السياسيون والمصرفيون مع اللبنانيين. نيّة الأهل حسنة، فيما لاعبو الحالة الثانية "خُبثاء". من بين ألاعيبهم الكثيرة، يبرز اختراعهم لمفهوم «الدولار اللبناني». أرادوا إيهام المودعين بأنّ المبالغ التي وضعوها في المصارف بالعملة الخضراء محفوظة. فكانت الحاجة إلى اختراع تسمية جديدة لعملة غريبة، حتّى يسهل تصنيف الودائع التي بخّرتها سياسة المصارف ومصرف لبنان، ولن يُعاد تكوينها من جديد. هذا هو "اللولار"، الذي بات جزءاً من يوميات اللبنانيين. بدأ الحديث عنه أخيراً حين تهافت المودعون ليسحبوا دولاراتهم من المصارف، فرُدّوا خائبين. ولكنّه قديم العهد في البلد، منذ أن اعتمدت المصارف «نهج بونزي»، عبر تقديم فوائد عالية لقاء الودائع، وتمويل الفوائد والمدفوعات من أموال المودعين، حتى وصلت المصارف إلى مرحلة تعجز خلالها عن ردّ الفائدة أو أصل المبلغ إلى الناس. هذه هي واحدة من نتائج سياسة المصارف باستقطاب "ودائع ساخنة"، خروجها من البلد أسهل من دخولها، من دون أن تسعى إلى الإتيان بودائع استثمارية هادفة ومُنتجة، تُحرّك العجلة الاقتصادية وتنتج قيمة مضافة.
يتحدّث الخبير الاقتصادي، روي بدارو عن أنّ "الدولار اللبناني" بدأ حين جرى اعتماد "الـMultiplier Effects، أي عملية الأثر المُضاعف، نستقطب الدولارات من الخارج، وتتم مُضاعفتها. هناك أموال افتراضية على الدفتر ولا توجد مقابلها نسبة كافية من العملة الورقية إذا أُريد استبدالها". رغم ذلك، بقيت العملية "مقبولة بسبب استمرار التدفقات من الخارج"، بحسب بدارو. ملامح التغيير ظهرت منذ صيف الـ2019 حين بدأ يتفلّت سعر الصرف وتتشدّد المصارف في تلبية طلبات الزبائن. تجلّت الأزمة بشكل بارز في تشرين الأول من العام نفسه، بعد أن تذرّعت المصارف بالانتفاضة لإقفال الفروع ووضع "كابيتال كونترول" غير قانوني.
"بالاسم، لا تزال هذه العملة هي دولار. مشكلتها أنّه لا يُمكن تحويلها إلى الخارج، وأصبح هناك فرق في القيمة بين الدولار المسجون في الحسابات والدولار الذي يُستخدم لعمليات الاستيراد"، يقول رئيس مجلس الإدارة، المدير العام، لمصرف "FFA" جان رياشي.
كلام رياشي يقود إلى المشكلة الرئيسية في لبنان، وهي ربط الليرة بالدولار، إلى حدّ أنّ التداول بالأخير في السوق المحلية بات يتمّ بسهولة كما لو أنّه عملة وطنية. تدفع لصاحب الدكّان 50 ألف ليرة لشراء سلعة بـ30 ألف ليرة، فيردّ لك 10 دولارات وخمسة آلاف ليرة. توقّع عقد عمل مع شركة محلية، بالدولار الأميركي. تستأجر منزلاً، بالدولار. تجد سلعة مُسعّرة بـ150 ألف ليرة، فتدفع ثمنها 100 دولار. هذا إضافة إلى التسليفات بالدولار ووجود مقاصة محلية (أي عملية تبادل للشيكات بين المصارف) ضخمة في الدولار (بلغ بين 20/12/2019 و20/1/2020، عدد الشيكات 423 ألفاً و680 شيكاً، بقيمة 4 مليارات و417 مليون دولار)، نوعاً ما «مستقلة» عن مركز نيويورك... إلى هذا الحدّ كان التعامل بعملة أجنبية مُباحاً، ما أدّى إلى توسيع الكتلة النقدية المُكوّنة من الدولار، من دون أن تكون لدى المصرف المركزي قدرة على مواكبتها بتأمين السيولة، لأنّه لا يطبع إلّا العملة المحلية.
لقراءة المقال كاملاً اضغط هنا.
المصدر: لبنان 24