مع تراجع مستوى القدرة الشرائية في أوساط اللبنانيين إثر الارتفاع المتواصل لسعر صرف الدولار الأميركي في الأسواق المحلية، وما يحمله ذلك من نذائر شؤم باتت تهدد باقتراب موعد الانفجار الاجتماعي المرتقب.
ومع تصاعد وتيرة الدعوات الرامية إلى وجوب حث المسؤولين الرسميين على وجوب اعتماد بدائل اقتصادية طارئة وعاجلة، سعياً إلى الحد من تداعيات الأزمة الخانقة الراهنة، وبالتالي إلى إتاحة الفرصة أمام الناس لمواصلة التنفس في دوائر العيش الضيقة.
وتدخل تجربة اعتماد “البيزو الكوبي البديل” التي خاضها الزعيم الراحل فيدل كاسترو (1926-2016) في بلاده، على مدى أكثر من 5 عقود من الزمن، ضمن الخطط المطروحة لإنعاش الليرة اللبنانية المتهالكة، بما من شأنه أن يؤدي إلى التخفيف من حدة أعباء الحياة الملقاة على عاتق المواطنين اللبنانيين المقيمين، عن طريق الاستفادة من حركة السياحة الأجنبية الوافدة إلى البلد، لا سيما مع اقتراب موعد حلول فصل الصيف الذي غالباً ما يكون واعداً في لبنان.
المعروف أن فيدل كاسترو لم يضطر إلى إصدار البيزو البديل لأسباب تتعلق بمواجهة الحصار الاقتصادي الذي فرضته الولايات المتحدة الأميركية على جزيرته الشيوعية، في أعقاب انتصار الثورة التي قادها ضد نظام الديكتاتور فولغنسيو باتيستا العام 1959، وإنما في أعقاب تفكك الاتحاد السوفييتي العام 1991، وما نجم عن ذلك من كوارث وضغوط معيشية واقتصادية في بلاده.
ووفقاً للباحثين في الشؤون الكوبية، فإن قيمة الدولار الأميركي الواحد كانت تساوي 40 بيزو كوبياً أصيلاً، قبل أن تهبط إلى ما دون البيزو البديل، في أعقاب إصداره، بعشرة سنتات، مما أدى إلى توفير الظروف الملائمة للكوبيين في مجال الصمود لمواجهة الحصار الأميركي عن طريق الخطوات التالية،
1- إلزام السياح الأجانب الذين يصلون بالآلاف يومياً إلى الجزيرة بتغيير دولاراتهم الأميركية إلى البيزو الكوبي البديل لدى هبوط الطائرات التي تقلهم في مطار خوسيه مارتيز الدولي في هافانا.
2- الطلب من أصحاب المرافق العامة، مثل الفنادق والمطاعم والملاهي والنوادي الليلية، التعامل مع كافة الزبائن والرواد بالبيزو البديل للسياح الأجانب، وبالبيزو الأصيل للسكان المحليين، لدى إصدار فواتير حساباتهم.
3- توفير المناخات الملائمة للتأكيد على أن أهمية كوبا تكمن في تقديم مثل هذه النماذج الفريدة للمحافظة على إرثها التاريخي.
بحسب نتائج استطلاع سريع للرأي أجراه موقع “سكاي نيوز عربية” في بيروت، فإن التجربة الكوبية يمكن أن توفر حلاً سريعاً للأزمة اللبنانية الراهنة، من دون الاضطرار إلى إصدار عملة وطنية جديدة، عن طريق اتخاذ الخطوات التالية،
1- إلزام جميع السياح الأجانب، بمن فيهم اللبنانيون الذين يحملون جوازات سفر غير لبنانية، بالتصريح عن حجم أموالهم النقدية وتبديل ما يشاؤون منها إلى الليرة اللبنانية، لدى وصولهم إلى البلد، وفقًا لسعر الصرف الرسمي المحدد حالياً بـ15 ألف ليرة.
2- الطلب من أصحاب المرافق العامة، مثل الفنادق والمطاعم والملاهي والنوادي الليلية، التعامل مع السياح الأجانب بالليرة اللبنانية فقط، وعدم القبول باستخدام بطاقات الائتمان الصادرة عن بنوك غير لبنانية، وإصدار فواتير حساباتهم بالعملة الوطنية وفقًا لسعر منصة “صيرفة” البالغ حالياً قرابة الـ70 ألف ليرة.
3- تشديد الرقابة على حجم الأموال النقدية التي يحملها السياح الأجانب أثناء مغادرتهم لبنان، ومقارنتها بما صرحوا به لدى وصولهم، على غرار ما كان يحصل مثلاً في جزيرة قبرص قبل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي العام 2004.
4- استنفار الأجهزة الأمنية لمتابعة ما بات يسمى بـ”التوتر العالي” على خط العلاقات القائمة بين تجار السوق السوداء في بازارات تصريف العملات الأجنبية وتجار المواد الغذائية الذين لم يعد جشعهم يتوقف عند أي حد.
يرى معظم المشاركين في استطلاع الرأي أن اعتماد الخطوات الآنفة الذكر يمكن أن تضاهي في قيمتها الإنسانية ما يُشاع عن القيمة الاقتصادية التي يُتوقع أن يحملها القرض المتعثر أصلًا من صندوق النقد الدولي للبنان، أقله في مجال الحد من ظاهرة الانتحار في أوساط اللبنانيين التي وصلت نسبتها، خلال الآونة الأخيرة، إلى مستويات غير مسبوقة في التاريخ اللبناني القديم والحديث، لا سيما في ظل استمرار أزمة الشغور الرئاسي، واحتدام الصراع على صلاحيات رئيس حكومة تصريف الأعمال، وعدم ظهور أي مؤشر “ثوري جديد” يمكن أن يوحي ببشائر ما حققه الأخوين فيدل وراؤول كاسترو للكوبيين، في أوساط اللبنانيين.