كتبت ايسامار لطيف في “النهار”:
لم تنجُ الأسماك والثمار البحرية من الانهيار الكبير والأزمات الكثيرة وآخرها الحرب الأوكرانيّة، مثلها مثل السّلع الاستهلاكيّة اليوميّة والدجاج واللحوم، إذ سجّل سعر الأسماك ارتفاعاً جنونيّاً مع بداية شهر رمضان، بالتزامن أيضاً مع زمن الصوم الكبير لدى الطوائف المسيحيّة، ممّا أدّى إلى “قفزة غير مسبوقة” في السوق، بحسب تجّار.
“مش عم توفّي معنا، سعر السمك صار أغلى من الذهب”، يقول أحد صياديّ الأسماك في صيدا. فالوضع المأساوي الذي طرأ عليهم مؤخّراً أعاق عملهم، فتراجعت نسبة الاستهلاك بنحو 65%، وفقاً لحسابات الصيّاد، الذي يشدّد على أن “أكلة السمك” باتت رسمياً حكراً على الأغنياء أو ميسوري الحال.
كيف توزعت الأسعار؟
لعلّ أوّل سؤال يخطر في بالنا عند الدخول إلى السوبرماركت، أو حتّى عند التفكير بأيّ وجبة، حيث لا حسيب ولا رقيب، والأسعار حدّث ولا حرج، وكالعادة جيبة المواطن هي الضحيّة…!
“نرمي الصنّارة في البحر وعوضنا على الله”، بهذه الكلمات يختصر الصيّاد علي بوجي، في حديث لـ”النهار”، رحلته اليوميّة بحثاً عن مشترٍ أو سائح يرغب في تناول السّمك الطّازج من ميناء صيدا، عساه يكسب القليل من الرّبح في زمن رمضان. “السّمك مولّع، والتجّار هم من يساهمون في هذا الأمر”، يشرح بوجي سبب ارتفاع أسعار الأسماك بشكل “جنوني” لا سيّما على أبواب شهر رمضان المبارك، حين يستغلّ بعض النّاس أو التجّار الأمر في المزاد الأسبوعيّ، و”كأنّنا في سباق على من يدفع أكثر”، مستغلّين الظرف والأعياد للتحكّم بالسوق، ممّا قد ينعكس سلباً علينا وعلى سعر السّمك”.
“الكيلو بـ100 ألف… من يدفع أكثر؟… أشتريه بـ500 ألف… لا، أنا أشتريه بـ800 ألف!”. بمعادلة بسيطة، ووَفقاً للسيناريو أعلاه، يتمّ رفع سعر السَّمك خلال المزاد العلنيّ، وفقاً لمن يملك “الدولار الفريش” ويسعى لكسب المزيد من خلال الزبائن المتهافتين على شراء الأسماك، بما أنّها نوعاً ما أرخص من السّلع الأخرى مثل اللحوم أو الدجاج؛ فمثلاً، كيلو اللحمة لا يكفي لعائلة واحدة مؤلّفة من 4 أو 5 أشخاص كوجبة إفطار، على عكس الأسماك التي تُكسب الشخص شعوراً بالشّبع، إضافة إلى الفيتامينات الأساسيّة والمعادن اللازمة لجسم الإنسان.
ارتفعت أسعار الأسماك بنسبة 85 في المئة، وفقاً لبوجي، إذ بات سعر كيلو الملّيفا مثلاً 350 ألفاً، واللقّز 400 ألف، وكيلو القريدس مليون ليرة غير قابلة للتخفيض ولو بألف ليرة، والأخطبوط 250 ألفاً، والسرغوس 140 ألفاً، والكلامار الطازج 250 ألفاً تقريباً وسمكة الأبو سنّ بحدود الـ850 ألفاً، والأجاج 120 ألف ليرة للكيلو الواحد، أمّا السلطان الصخريّ فلهو حصة الأسد من بين الأسعار إذ تجاوز سعره المليون ليرة. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن أسعار الأسماك المشويّة ترتفع بوتيرة متسارعة، لأنّها مطلوبة أكثر من قبل المطاعم والأفراد، إذ إنّها لا تحتاج إلى زيت أو توابل أو أيّ إضافات أخرى، فضلاً عن أن سعر بعضها مناسب لذوي الدّخل المحدود.
بعيداً من هذه الأسعار “الخياليّة”، يتحدث بوجي عن أسباب هذا الارتفاع إلى جانب تلاعب التجار والرهان في المزاد الأسبوعيّ، إذ كلّما ارتفعت أسعار المحروقات والشبك سترتفع أكثر أسعار السمك، وحيث من المرتقب أن تشهد الأسعار ارتفاعاً إضافيّاً، لا سيّما أنّنا مقبلون على موسم الصيف حين سيقصد السيّاح سوق السّمك مع أصحاب “الفريش دولار”.
بالموازاة، يقول العمّ أبو طوني، أو كما يعرفه سكان برج حمود بـ”الغفري”، لـ”النهار” عن أن “ما يحدث في سوق السمك خلال كلّ مزاد لا يُصدّق، وكأنّنا نتسابق مع من يُريد عصر جيبة المواطن قبل الآخر”، ويتساءل: “إذا كان التاجر يفتتح المزاد بـ150 ألف ليرة للكيلو الواحد أو بـ300 ألف ليرة، فلِمَ نصل إلى نهاية المزاد بأسعار خياليّة ونتحدّث بالملايين؟ فهل باتت وجبة السمك تُكلّف 3 ملايين لعائلة واحدة؟”.
في جولة لـ”النهار” على بعض المتاجر ومحالّ السّمك، لاحظنا تفاوتاً كبيراً في الأسعار، لا سيّما في سعر سمكة السّلطان والقريدس، إذ يُخال للوهلة الأولى وكأنّنا نشتري لؤلؤة البحر النادرة لا سمكة عادية، إن لم تُبَع، فقد تتعفّن ويكون مصيرها التلف.
في شاركوتيه عون، يبلغ سعر كيلو السلطان إبراهيم 150 ألفاً أو 200 ألف وفقاً للنوع، أمّا القريدس فيبلغ 185 ألفاً (طبعاً غير الطازج)، أمّا الأجاج فسعره كسعره في سوق السّمك 120 ألفاً، وهو الأكثر طلباً على مائدة رمضان، وفقاً للصيادين.
أمّا في الـ”سبينيس”، فقد تخطّى سعر الأجاج الـ120 ألفاً ليبلغ الـ140 ألفاً، والسلطان إبراهيم النهري بلغ الـ150 ألفاً، والقريدس المثلّج 150 ألفاً.
هذا لفترة محدودة، لأن الأسعار المذكورة تأتي بعد التخفيضات تزامناً مع زمن الصوم عند الطوائف الإسلامية والمسيحيّة.