نبض لبنان

هل تُعتبر حقوق السحب لصندوق النقد احتياطيا إضافيا للبنان؟

كتب د. منير راشد محاضر في الاقتصاد في الجامعة الأميركية في “الجمهورية”: 

لقد اقرّ صندوق النقد الدولي توزيع رزمة جديدة من حقوق السحب الخاصة تبلغ 458 مليار وحدة حق سحب خاص على الدول الاعضاء فيه، وحصلت كل دولة راغبة في الاشتراك، بما يقارب حصتها النسبية في نظام الكوتا. وتداولت الصحف المحلية هذا الخبر السعيد، وكيف سُيصرف المبلغ المخصّص للبنان والمقدّر بـ 598 مليون وحدة حق سحب خاص (يوازي 850 مليون دولار تقريباً)، وأغفل ذكر التوزيعات السابقة لمصلحة لبنان، التي تبلغ 196 مليون وحدة، ليصبح المجموع 796 مليون وحدة (1.127 مليار دولار) وهو تخُيّل سابق لأوانه. فلا بدّ من شرح طريقة عمل الصندوق ودور لبنان في عضويته، لتتضح الصورة وأثر هذا التوزيع.

أُنشئ الصندوق عام 1944 على يد 44 دولة، وانضمّ لبنان الى عضويته عام 1947، ويضمّ حالياً 190 دولة. وكان الهدف الرئيسي لإنشائه خلق مؤسسة ترعى التعاون الاقتصادي الدولي وتنمية التجارة الدولية والانتاج، والمحافظة على استقرار النظام المالي العالمي. ولتحقيق ذلك يتابع الصندوق التطورات الاقتصادية والمالية وميزان المدفوعات في الدول الأعضاء. ويقدّم المشورة اللازمة للدول التي تواجه متاعب اقتصادية ونقصاً في احتياطها من العملات الصعبة. كما يوفر تمويل الإحتياطات للمصارف المركزية التي تعاني من خلل في ميزان مدفوعاتها ومن نقص حاد في احتياطاتها.

يتَكوّن صندوق النقد من دائرتين رئيسيتين: دائرة الموارد العامة، ودائرة حقوق السحب الخاصة. يُدير الصندوق مجلس المحافظين الذي يمثل جميع الدول الأعضاء. اما الادارة التشغيلية فهي من مهمات مجلس المديرين التنفيذيين الذي يتكوّن من 24 مديراً. اضافة، الى انّ كل حسابات الصندوق تستند الى وحدة حق السحب الخاص (عملة صندوق النقد الحسابية) التي تتكون من سلة من 5 عملات رئيسية (دولار 0.58، يورو0.387، استرليني 0.0859، الين 11.9 والرنمنبي الصيني 1.017)، تعكس حصص العملات الكوتا لكل من هذه الدول والمجموعة الاوروبية. فيجب مراعاة التمييز بين دائرة حقوق السحب الخاصة، ووحدة حق السحب الخاص كوحدة حسابية فقط.

أما دائرة حقوق السحب الخاصة فهي مستقلة عن دائرة الموارد العامة. أُنشئت عام 1969 بهدف توفير احتياطي طوعي اضافي للدول الأعضاء. يوزع الصندوق حقوق السحب الخاصة حسب الحاجة من دون مقابل، لتنشيط التبادل التجاري الدولي، كما يحق له إلغاء هذه الحقوق. وتحصل كل دولة على حصة من كل توزيع كنسبة من الكوتا لديها في الصندوق. وبلغ مجمل توزيع حقوق السحب الخاصة على مراحل عدة 662 مليار وحدة، بما فيه التوزيع الأخير البالغ 458 مليار وحدة. ويسجّل التوزيع بحساب كل دولة في صندوق النقد كدائن ومَدين في الوقت نفسه. لذا فعلى اساس صافي، لا يُوفر التوزيع احتياطات إضافية.

يتوجب على الدولة ان تدفع تكلفة الفوائد على الكميات التي تستعملها من حقوق السحب الخاصة، وان تلتزم بالمادة 19 من اتفاقية الصندوق، التي توضح شروط ووسائل استبدال حقوق السحب الخاصة بعملات احتياطية. ومن اهمها، البند الثالث الذي يتطلب ان تبدي الدولة الحاجة الى استعمال حقوق السحب الخاصة لتمويل ميزان المدفوعات، وليس لدعم السلع التي هي من نطاق عمل وزارة المال. وتُعتبر حيازة وحدات حق السحب الخاص كاحتياطي ممكن وليس كإحتياطي فعلي بالنقد الاجنبي، حيث انّ وحدات السحب لا تُستعمل مباشرة في التمويل الخارجي الّا بعد استبدالها بعملات احتياطية حسب قدرة الدولة على الالتزام بكل شروط اتفاقية التبادل الطوعي. كما انّ الأعضاء المشاركين في دائرة حقوق السحب الخاصة غير مرغمين على الاستجابة لأي معاملة مرتبطة باستعمال حقوق السحب. وتتمّ حالياً معظم المعاملات في دائرة حقوق السحب الخاصة بإشراف صندوق النقد كوسيط من خلال منصة ترتيب التبادل الطوعي.

وحيث انّ مصرف لبنان لم يلجأ سابقاً الى استعمال هذه الدائرة، فقد يقوم باستقصاء تفاصيل آلية استعمالها لتحديد ما قد يتوافر له من قدرة على استبدال وحدات حقوق السحب باحتياطات من العملات. ويتوجب التذكير بأنّ استعمال هذه الدائرة يؤدي الى نقص في حيازة البلد من حقوق السحب ويستلزم خدمته حسب فائدة حق السحب الخاص السائدة.

بينما يحصل الصندوق على موارده في دائرة الموارد العامة التي أُنشئت مع ولادة الصندوق لمساعدة الدول التي تواجه نقصا في احتياطاتها، من اشتراكات الدول الاعضاء في رأسمال الصندوق الذي يستند الى نظام الكوتا الذي يعكس حجم الدولة العضوة كحجم الناتج المحلي، والتجارة الخارجية واحتياطاتها. وتدير الكوتا دائرة الموارد العامة. لذلك خُصّصت لكل دولة كوتا معينة في رأسمال الصندوق.

تبلغ حصة لبنان في دائرة الموارد العامة فقط 633.5 مليون وحدة حق سحب (0.1%) من اصل اجمالي الكوتا البالغ 477 مليار وحدة حق سحب خاص.

تتكون الحصص من الكوتا الاحتياطية، وهي بمثابة 25% من الكوتا تُدفع بعملة احتياطية صعبة، بينما يُدفع ما تبقى بالعملة المحلية. لذا ما يتوافر للبنان من احتياطي جاهز للاستعمال في صندوق النقد هو فقط 158( 224 مليون دولار) وحدة حق سحب خاصة من دون شروط، باستثناء ابداء الحاجة الى تمويل ميزان المدفوعات. وتستطيع الدولة استعمال تسهيلات صندوق النقد الأُخرى حسب الحاجة وخلال فترة محددة في حدود قصوى للسحب تتراوح بين 50% و 145% من الكوتا سنوياً، ويأخذ في الاعتبار قدرة البلد على الوفاء (خدمة التسهيل) والالتزام ببرنامج اصلاحي. وفي الحد الاقصى، يتوافر لدولة ما نحو 400% من الكوتا اذا اجرت اصلاحاً جدّياً مع تطبيق مؤشرات اداء برامج الاصلاح المتفق عليه مع الصندوق في استمرار. ويبدأ اعادة الدفع لهذه التسهيلات خلال بضع سنوات. والسؤال الاهم، ما هي الحاجة الى هذه الاموال التي تستحق في غضون فترة وجيزة.

فاستعمال دائرة الموارد العامة بما يفوق الكوتا الاحتياطية يستوجب اصلاحات عدة، ومن اهمها في حالة لبنان، السعي الى تحقيق القدرة على اسمترارية التوازن المالي وميزان المدفوعات. ومما يساهم في تحقيق هذين الهدفين: تحرير سعر الصرف، واصلاحات مالية لخفض العجز، واستهداف خفض العجز في الحساب الجاري لميزان الدفوعات باستثناء التحويلات الخاصة بما لا يفوق تلك التحويلات. انّ الاقتراض من الخارج بلا اصلاح قد يواجه مرة ثانية امكانية تعثر خدمة الدين بالدولار التي كانت السبب الاساسي للمشكلة الحالية.