نبض لبنان

زيادة مداخيل الدولة بالضرائب… قرع على “باب جهنم”

كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:

لم تنحصر مفاعيل قرار وزارة المالية رقم 893/1 بالشركات، بل تمددت لتطال كل من يتقاضى مبلغاً من المال مقابل إيصال. وعليه فقد طال تغيير سعر الصرف المهن الحرة، والحرفيين… وأصبح لزاماً عليهم تسجيل عملياتهم بالدولار على سعر السوق، وتسديد الضريبة عليها لوزارة المالية على القاعدة نفسها.

في الأمس تداعى قسم من المحامين للتصدي لقرار وزارة المالية (4/1) الذي ينص، خلافاً لاحكام القانون الساري المفعول، على وجوب استيفاء الضرائب على إيراداتهم وفقاً لسعر السوق. فأبدى عضو مجلس نقابة المحامين في بيروت المحامي ناضر كسبار في رسالة متداولة بين المحامين تحت عنوان “لأخذ العلم والتحرك والمعالجة منعاً للكارثة”، استغرابه من تغيير وزير المال سعر الصرف بقرار. ذلك مع العلم أن “القضاء اللبناني يلاحق كل الذين يتاجرون بالدولار الاميركي، وبالليرة اللبنانية، في السوق السوداء”. وبحسب كسبار فانه “يخشى من أن عدم معالجة الموضوع بالسرعة الممكنة، ستحوّل القرار المدرج في الموازنة إلى قانون. فتقع الكارثة على جميع المحامين”.

تشريع غير الشرعي

الاعلام الصادر عن وزير المالية لا يستهدف المحامين على وجه الخصوص، يقول المحامي والبروفسور في كليات الحقوق د.نصري دياب، “بل يطال جميع المكلفين الخاضعين للضريبة على القيمة المضافة”. ولكن بما خص المحامين تحديداً، فان هناك ثلاث نقاط أساسية، بحسب دياب، تناقض هذا القرار:

أولاً، إن الاشارة في التعميم إلى قانون حماية المستهلك يمكن أن تكون في غير مكانها، حيث إن المادة 17 من قانون حماية المستهلك، الذي يشير إليه القرار، تنص صراحة على ان هذا القانون لا ينطبق على شركات التأمين والمصارف وعلى المهن الحرة. إذ ان زبائن المحامين لا يعتبرون مستهلكين.

ثانياً، هناك قوانين صدرت أخيراً، من ضمنها القانون رقم 193/2020 الذي أصبح معروفاً بقانون “الدولار الطالبي” يحدد بوضوح ان سعر الصرف الرسمي هو 1500 ليرة. فهناك دولار واحد لغاية الآن هو الدولار الرسمي بـ1500 ليرة، وهو ما تؤكد عليه احكام صدرت بمحاكم الدرجة الاولى وعند قضاة الامور المستعجلة في ما خص النزاع بين الدائنين والمدينين. من هنا فاذا كان البرلمان قد شرع سعر الصرف بقيمة 1510 والمحاكم تعتمده كسعر فصل في الدعاوى، فليس بامكان الوزيرتغييره باعلام.

ثالثاً، إن الافتاء بعدم جواز “الفوترة” بالدولار غير صحيح، فلطالما كان أصحاب المهن الحرة يحررون الفواتير بالدولار ويدفعون الضريبة على القيمة المضافة بالليرة على أساس سعر الصرف الرسمي. وبالتالي لا يحق لوزير المالية إلزام أصحاب المهن الحرة ومن ضمنهم المحامون بالفوترة في حال كان الدفع بالدولار على أساس سعر السوق، وتسديد الضريبة على القيمة المضافة على المبلغ النهائي بالليرة، فنحن ما زلنا في اقتصاد حر والقوانين واضحة لجهة حرية التسعير بأي عملة. وعدا عن ذلك فان طلب اللجوء إلى سعر صرف السوق يومياً لتحديد الاسعار غير منطقي، فدولار السوق السوداء غير قانوني وغير معترف به. والسؤال هو: لمن يلجأ المحامي لتحديد سعر الصرف، هل يتوجب عليه الاتصال بصرافين يعملون في السوق السوداء؟ أو يتوجب عليه الاطلاع على تطبيقات الهواتف الخلوية؟ ألم تلاحقهم الدولة وتشتكي عليهم جزائياً، وتقفل ابواب بعضهم بذريعة زعزعة الامن الاقتصادي والاجتماعي والمضاربة على الليرة!!

عرضة للطعن

يعتبر هذا القرار بالنسبة إلى المهن الحرة، حمّال أوجه من نواح عدة. فعلى عكس الشركات والمؤسسات التجارية التي تتعامل مع موردين وشركاء عالميين وتخضع لتدقيق محاسبي، فان الكثير من أصحاب المهن الحرة يعملون فردياً. وليس هناك من مراقب أو ضابط للمبالغ التي يتقاضونها من “زبائنهم”. وعليه بامكانهم التصريح بمبالغ أقل بكثير من المبالغ المقبوضة فعلياً ولن تستفيد الخزانة بشيء. هذا من ناحية، أمّا الناحية الثانية فان الكثير من الشركات الصغيرة التي كانت معفية من الضريبة على القيمة المضافة، نظراً لان حجم إيراداتها لا يتخطى 100 مليون ليرة، ستصبح مع هذا القرار ملزمة بدفعها. فهذا المبلغ الذي يشكل على “سعر الصرف الرسمي” 66.6 ألف دولار، ما هو إلا 11 ألفاً على سعر صرف السوق.

وبحسب المحامي المتخصص في الشأن المصرفي عماد الخازن، فان القرار الذي يحمل الرقم 893 والصادر عن وزير المالية والقاضي باعتماد سعر الصرف “الفعلي” للدولار، اي ما بات يعرف بسعر الدولار في السوق السوداء، يخالف قانون الـTVA رقم 379 / 2001 ومرسومه التطبيقي الذي نص على اعتماد “السعر الرسمي” للدولار الذي ما زال، لغاية اليوم محدداً بـ 1507، الامر الذي سيؤدي من وجهة نظره إلى “جواز طعن كل مكلف متضرر بالقرار، كما او بالتكاليف الصادرة بناءً على هذا القرار أمام لجنة الاعتراضات، ومن ثم امام مجلس شورى الدولة، لعلة عدم الصلاحية وتجاوز حق السلطة. ذلك فان القرار الصادر عن الوزير، أتى مخالفاً للقانون ولمرسوم تطبيقي صادر عن مجلس الوزراء. علماً أن مجلس شورى الدولة سبق وأن أبطل تكاليف ضريبية استندت إلى قرارات وزارية أو مذكرات وتعاميم مخالفة للقانون، إضافةً لكون التكاليف الصادرة بموجب القرار المذكور هي عرضة للطعن، فان هناك صعوبة في تطبيقه بسبب عدم وجود مرجعية رسمية او شبه رسمية لتحديد السعر الفعلي!

التذاكي لا يزيد الايرادات

محاولة زيادة إيرادات الدولة من خلال هذا القرار، لا تعدو كونها “تذاكياً” في غير مكانه، يقول الخازن، “فالدول عادة ما تلجأ في ظروف الانكماش الاقتصادي إلى تخفيض الضرائب وزيادة الحوافز. أمّا فرض ضرائب جديدة تطال صغار المكلفين وأصحاب القدرات الشرائية المتهاوية، ومئات الشركات التي تشهد تراجعات كبيرة في أرقام أعمالها يسبب ردة فعل عكسية على مداخيل الدولة”. فراغ المضمون من أي فائدة حقيقية، يرافقه، بحسب الخازن، “إشكالية عدم تحديد تاريخ البدء باعتماد الآلية الجديدة للتسعير. ما يعني أن بامكان وزارة المالية إعادة دراسة وتدقيق الحسابات المنجزة لدفعات سددت قبل صدور هذا القرار. وربما إصدار تكاليف إضافية او تغريم أصحابها”.

الباب الذي يجب قرعه لزيادة مداخيل الدولة هو الاصلاح. وإلّا، فان كل المحاولات بزيادة الضرائب ستكون بمثابة القرع على “باب جهنم”، الذي لن ينفتح إلا على الخراب.

المصدر: لبنان 24